الأرجح أنّ الانجاز الذي وثّقه وزير الداخلية فيصل المولوي في سيرته الذاتية، كأول قاض يعقد جلسة الكترونية في محافظة الشمال، يدفعه إلى التسويق وبحماسة للبطاقة الممغنطة لاستخدامها في الانتخابات النيابية المقبلة. إذ سارع فور تسميته خلفاً للوزير محمد فهمي، الذي نفض يديه من هذا البند الإصلاحي، لأكثر من سبب وسبب، إلى الإشارة إلى سعيه “لتفعيل البند المتعلق بالبطاقة الممغنطة وهو بند اصلاحي في قانون الانتخاب وإن توفّرت الارادة “كل شي الكتروني ما بياخد وقت”.
قد تكون حماسة وزير الداخلية الجديد، الوافد من السلك القضائي، مبررة، على اعتبار أنّ إجراء الانتخابات، اذا ما اجريت، قد يكون الانجاز الوحيد الذي سيوثّق في سيرته الذاتية بعد خروجه من مبنى الصنائع. غير ذلك، لا يبدو أنّه سيتسنى له أن يحقق الكثير، في ظلّ العوز المالي الذي تعاني منه “حكومة التفليسة”، التي لا تزال حتى اللحظة “عينها بصيرة ويدها قصيرة”.
في الواقع، فإنّ ملفين بالغيّ الأهمية، قد يشكّلان مركز اهتمام وزير الداخلية في المرحلة المقبلة: الوضع الأمني المتفلّت، والاستحقاقات الداهمة، وتحديداً النيابية والبلدية والاختيارية.
في الشقّ الأول، لا بدّ من إجراءات علاجية سريعة تقوم بها الحكومة كي تخفف من وطأة الانهيار وتحول دون الفلتان الأمني الذي راح خلال الأشهر الأخيرة يأخذ أشكالاً مختلفة، وبالتالي إنّ المعالجة تكون بالسياسة وبالقرارات المالية الانقاذية، لا بالأمن وحده، خصوصاً وأنّ القوى الأمنية على اختلاف مؤسساتها منهكة وتئنّ تحت وطأة الضغط الاجتماعي. وبالتالي هذه مهمة الحكومة مجتمعة، فيما سيتولى وزير الداخلية مسألة التعاطي مع التحركات الاحتجاجية.
هنا يؤكد المولوي في اولى اطلالاته الاعلامية أنّ “المواطن يمرّ بظروف صعبة، ولديه حق دستوري هو حرية التعبير وحرية التظاهر، لكن حدود الحريّة هو التعرّض لحريّة الآخرين. لذلك، نقول للمواطن إنّ بإمكانه التظاهر والتعبير عن وجعه الّذي هو وجع كل مواطن وكل مسؤول ووجعي أنا، لكن حماية الأملاك العامّة والخاصّة هو موضوع مقدّس”… ما يعني العمل على إمساك العصا من وسطها، بين حرية التحرك، وضبطها. ولكن عملياً، لا يبدو أنّ “روما من تحت” تكترث “لما يحصل فوق”، أو أقله لا يبدي المعترضون أيّ ردّ فعل يذكر على التطورات السياسية، يجعل من حكومة نجيب ميقاتي ووزرائها مطوقيّن بسلاسل الاحتجاجات المتنقلة من منطقة إلى أخرى تحت عناوين ثورية – تغييرية. غريب أمر هذه “الانتفاضة” التي تشتعل بين ليلة وضحاها فتقفل الطرقات دفعة واحدة، وتنطفئ بقرار مشترك. في الواقع، يبدو أنّ التكتلات التي أفرزها الحراك الشعبي تصبّ اهتمامها في هذه المرحلة على التحضير للانتخابات النيابية، ما يعني أنّ فوران الشارع أسوة بالمشاهد التي عايشتها الحكومة السابقة، مستبعد، إلا اذا فشلت هذه الحكومة فشلاً ذريعاً، وزادت طين الانهيار بلّة.
بناء عليه، يمكن تصور المشهد السياسي المقبل حيث سيجرّ المتحمسون لفتح صناديق الاقتراع، الباقين، لا سيما أولئك الذين يخشون من نتائجها، إلى ملعب الاستعدادات والتناتش على الأصوات التفضيلية، حتى لو انتهت الجولة بتمديد لبرلمان 2018. ولكن، وفق الوقائع المتاحة إلى الآن، فإنّ الاستحقاق النيابي وضع على نار حامية. فالمجتمع الدولي، والأوروبي تحديداً لن يتساهل مع احتمال تأجيله أو إلغائه، واذا كان قد فعلها مع مسألة تأليف الحكومة، فهو بلا شك، وفق مواكبي هذا الملف لن يكررها في ما خصّ الاستحقاق النيابي الذي يعتبره مفصلياً، ويعمل على فرضه بهذه الصيغة من خلال دعم بعض مجموعات الحراك المدني علّها تدخل التغيير إلى برلمان 2021.
يقول المتابعون إنّ الاوروبيين أكثر من جادين في استخدام سيف العقوبات الذي قرروا تسليطه فوق رقاب المنظومة السياسية، حيث يتردد أنّ بعض السياسيين تبلغوا فعلاً أنّ تأشيرات دخولهم إلى اوروبا معلّقة، فيما يبدو أنّ هناك جهداً دبلوماسياً خلف الكواليس لتأمين الاجماع في الاجتماع الأوروبي المرتقب خلال هذا الشهر، لإقرار إطار العقوبات على نحو حاسم. ما يعني أنّ العصا الأوروبية لم تعد تهويلية، وقد تتحول قريباً إلى أداة ضغط فعلية، لن يتردد أصحابها في استخدامها لفرض الانتخابات.
وحده احتمال ان تضيّع قوى الثامن من آذار أغلبيتها النيابية، هو الذي يجرّ إلى سيناريو تأجيل الانتخابات، ربطاً بامكانية خسارة تكتل لبنان القوي الكثير من أعضائه، إن لمصلحة “القوات” أو مجموعات الحراك المدني. حتى الآن، يقول المتابعون إنّ “التيار الوطني الحر” لا يملك قوة تعطيل هذا الاستحقاق خصوصاً وأنّ خصومه ينتظرونه على كوع التراجع ليقضموا من طبقه، فيما حماسة رئيس مجلس النواب نبيه بري للانتخابات، تدلّ على أنّ حسابات الثنائي الشيعي باتت تتخطى الأغلبية النيابية، لما هو أبعد من الحدود اللبنانية. وعليه، لا خوف لدى الثنائي من الخضوع لاختبار الصناديق اذا ما كان الأوروبيون متحمسين لها ويضعونها شرطاً لدعم لبنان.
أما البطاقة الممغنطة فدونها عقبات كثيرة، أولها التمويل اللازم لتغطية كلفة حوالى أربعة ملايين بطاقة، وثانيها الوقت اللازم لتأمينها لكل هؤلاء، فضلاً عن الكلفة التقنية والتنفيذية لتحضير مراكز الميغاسنتر وتجهيزها، أي مراكز الاقتراع الضخمة، كون البطاقة معمولة لهذا السيناريو… وكل ذلك يحتاج إلى تمويل ضخم فيما كان وزير الداخلية السابق يبحث عن مساعدة خارجية لتأمين الكلفة الأولية، وهي حوالى 20 مليون دولار لاجراء الانتخابات “بما تيسّر”، أما وضع البطاقة الممغنطة قيد التنفيذ وتجهيز الميغاسنتر فيحتاجان إلى عشرات ملايين الدولارات… في وقت لا تجد فيه دوائر النفوس الورق الكافي لطباعة اخراجات قيد لطالبيها. وقد أعلن المولوي أمس أنه “في اليوم العالمي للديمقراطية، وانطلاقاً من قناعتي الراسخة بأن الانتخابات هي المدخل الاساس لتداول السلطة تعزيزاً للديمقراطية في لبنان، أتعهد أمام اللبنانيين واللبنانيات أن أعمل بكل ما أوتيت من قوة وعزم على انجاز الاستحقاق الانتخابي بشفافية ونزاهة”. وختم مولوي، بيانه بالقول: “أضع هذا الأمر نصب عيني وفي سلم أولوياتي”.