IMLebanon

الإنتخابات كمحطة مفصليّة!

 

الإستحقاق الإنتخابي المرتقب في أيّار المقبل ليس إستحقاقاً عابراً في الحياة الوطنيّة والسياسيّة، بل هو المحطة المنتظرة محليّاً وعربيّاً ودوليّاً لأنه سيشكل منعطفاً هاماً على مستوى مسار الأحداث المستقبليّة، ولأن من شأنه أن يؤسس لحقبة جديدة يأمل اللبنانيون أن تكون مغايرة نوعيّاً عن الحقبة الراهنة، التي يعانون فيها الأمرّين على المستوى الإقتصادي والإجتماعي والمعيشي.

 

وإذا كانت الإختلالات البنيويّة العميقة التي يعاني منها لبنان قد تكرّست خلال الأعوام المنصرمة من خلال إبتداع أعراف جديدة كالميثاقيّة والتعطيل وشل المؤسسات لن تُعالج فقط من خلال إجراء الإستحقاق الإنتخابي؛ إلا أن ذلك لا يلغي أهميّة الدور الذي تؤديه هذه الانتخابات على مستوى رسم المشهد السياسي المحلي خلال المرحلة المقبلة.

 

صحيحة مقولة أن المسرح السياسي في مكان والقرار السياسي في مكان آخر، ولكن هذا لا ينتقص من حقيقة أن تركيبة المجلس النيابي الجديد وتشكيلته تؤشر على المناخ العام وتدفع في إتجاهات دون سواها، ومن هنا تكتسب المعركة الإنتخابيّة أهميتّها في هذه اللحظة من تاريخ لبنان.

 

والمجلس النيابي الجديد سوف يتولى إنتخاب رئيس جديد للجمهوريّة ويطوي بذلك صفحة العهد القوي بتدمير لبنان وإعادته عشرات السنين إلى الخلف وإغراقه في حفرة لن يكون من السهل الخروج منها. فعلى الرغم من أن إنتخاب الرئيس في لبنان هو نتاج تسوية خارجيّة – محليّة، وإنعكاس لموازين قوى معيّنة على الصعيد الإقليمي، وهو أبعد ما يكون عن مجرّد عمليّة إقتراع أوتوماتيكيّة؛ إلا أن المجلس- في نهاية المطاف- هو الذي سوف يصوّت للرئيس الجديد. بالتالي، فإن توّزع خريطة القوى السياسيّة في المجلس الجديد له تأثير بالغ في إختيار الرئيس وإيصاله إلى قصر بعبدا.

 

وهنا، الدعوة موجهة إلى الناخب اللبناني لكي يُحكّم ضميره قبل التوجه إلى قلم الإقتراع، وليدرس خياراته الإنتخابيّة بشكل عميق بما يُساهم في تحديد المسار المستقبلي للبلاد بعيداً عن الشعارات الفارغة مثل: «كلن يعني كلن».

 

ثمّة قوى سياسيّة فاعلة في البلاد ولها تاريخها السياسي والنضالي الذي لا يُمحى بشعارٍ من هنا أو هناك. إن تضييع البوصلة السياسيّة يؤدّي حتماً إلى تكريس الانقسام وتعميق الخلل في موازين القوى، فتأتي بعض الخيارات الإنتخابيّة لتعزّز هذا المسار بدل تصحيحه، وهذا ما يؤدّي إلى تفويت الفرصة للاستفادة من هذه المحطة الديمقراطيّة، بمعزل عن الثغرات والملاحظات الكثيرة على القانون وكيفيّة تطبيقه والاصلاحات التي كان من المفترض أن ترافقه.

 

«المنظومة» أو «الطبقة» الحاكمة ليست كتلة واحدة. ثمّة قوى أساسيّة داخل هذه المنظومة هي التي تصادر القرار الوطني والسيادي وتأخذ لبنان في الإتجاهات المناقضة لتاريخه ودوره ورسالته. أما إلصاق القوى الأخرى فيها فمن شأنه تضييع البوصلة وتأزيم الواقع الراهن وإستدامته.

 

ليس المقصود، بطبيعة الحال، الابتعاد عن الخيارات الشبابيّة الجديدة التي يمكن من خلالها النفاذ نحو بث الروح في شرايين الحياة السياسيّة المعطلة؛ بل المقصود التركيز على القوى الحيّة التي من شأنها أن تحافظ على هويّة لبنان العربيّة وموقعه التاريخي وتتصدّى بشكل أو بآخر لمحاولات جرّه إلى حيث لا ترغب الغالبيّة الساحقة من اللبنانيين.

 

أما أي كلام عن تأجيل الانتخابات النيابيّة أو «تطييرها»، فهو بمثابة خطوة إنتحاريّة غير مبررة على الإطلاق، وهو تطوّر سلبي وخطير على مستقبل لبنان ومستقبل أجياله الشابة الطالعة التي فقدت الأمل بإمكان إستعادته لعافيته وموقعه ودوره في محيطه العربي والعالم.

 

إن التلاعب بمواعيد الانتخابات أو بإجرائها هو ضرب من الجنون!