كرست أجواء المساومات الإقليمية والدولية التي بدأت تلوح في الأفق قيام الحكومة الجديدة على الأسس التي أرادها الفريق الحاكم أي تحالف “حزب الله” مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و”التيار الوطني الحر” فجرى استبعاد معيار حكومة الاختصاصيين المستقلين وغير الحزبيين الذي رفضه هذا التحالف منذ البداية معتبراً أن هدف هذا المعيار إبعاده عن السلطة.
وإذا كان إسقاط هذا المعيار تم بحكم الأمر الواقع من المبادرة الفرنسية وبرضى باريس نفسها، فإن السؤال يبقى حول مصير المعايير الأخرى المتعلقة بالإصلاحات الاقتصادية والهيكلية التي تتضمنها خريطة الطريق التي وضعها الرئيس إيمانويل ماكرون، والتي أحبط التحالف التوافق عليها بمنع تأليف الحكومة التي سعى إليها السفير مصطفى أديب ثم زعيم تيار “المستقبل” سعد الحريري.
حتى أن التخريجة التي ابتدعها رئيس البرلمان نبيه بري قبل 13 شهراً لهذا المعيار، بالإتيان بوزراء “ليسوا معنا وليسوا ضدنا” جرى استبعادها فجرى تعيين الأكثرية الساحقة من الوزراء ولا سيما وزراء التحالف المذكور وفق مبدأ “إما معنا أو ضدنا”، لضمان الولاء الكامل من قبل اكثرية الحكومة للتحالف. الوزراء الذين يستثنون من هذه القاعدة يُحتسبون بأقل من أصابع اليد الواحدة.
وهذا التحالف يتصرف على هذا الأساس منذ ولادة الحكومة ويؤشر إلى نيته في استثمار غلبته العددية في الحكومة في مواجهة خصومه، وصولاً إلى العودة إلى نهج وأسلوب جرى اعتماده سابقاً ساهم مساهمة أساسية في ما وصلت إليه البلاد من تدهور وانهيار سيكون مكلفاً الخروج منهما.
ومع أن هوية بعض الوزراء تبدو ملتبسة، ويجري تصنيفهم على أنهم على صداقة أو علاقة مع هذا الطرف وخصمه أو نده في آن، كأن يقال هذا مصنف في خانة عون لكنه صديق لرئيس البرلمان نبيه بري في الوقت نفسه. وهذا ميال إلى باسيل لكنه في الوقت نفسه ليس بعيداً عن الرئيس نجيب ميقاتي… وهو أمر مختلف كلياً عن الولاء الكامل لمعظمهم، فإن الفريق الأكثري في الحكومة يتجه لإسقاط ما تبقى من معايير المبادرة الفرنسية، في شكل يصح ما سبق أن قيل منذ اعتذار السفير مصطفى أديب أواخر تشرين الأول 2020 بأن المبادرة برمتها وبكل مفاعيلها سقطت. وما يجري الآن هو تكريس هذا السقوط وبتوقيع باريس نفسها، وبالتفاهم مع الولايات المتحدة التي كانت اختارت الوقوف خلف هذه المبادرة والقول بدعمها ثم بتبنيها بالكامل.
إعفاء واشنطن لبنان وسوريا من عقوبات قانون قيصرعلى استجرار الغاز والكهرباء عبر سوريا، وقبلها إعفاء استثمارات روسية في الكهرباء على سد الفرات وصولاً إلى حمص، العقد الذي أبرمته شركة توتال في العراق، بإجازة إيرانية للتنقيب عن النفط والغاز مع إمكان استفادة طهران من هذا الاستثمار نظراً إلى علاقتها الخاصة ببغداد، بعد حضور ماكرون قمة بغداد، التوسط الفرنسي بين واشنطن وطهران، والوساطة الروسية بين العاصمتين حول استئناف مفاوضات فيينا، والتي سيتبلور اتجاهها في اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية الإثنين المقبل بعد زيارة رئيسها رفائيل غروسي إلى طهران، “الانضباط” الإسرائيلي بالقبول بما تتوصل إليه أميركا مع طهران حول ملفها النووي، سواء خلال زيارة رئيس الوزراء نفتالي بينيت إلى واشنطن وإلى موسكو، القرار الأميركي بصرف مبالغ نقدية للجيش اللبناني دعماً لصموده، غض النظر عن العقوبات على استيراد النفط الإيراني من قبل “حزب الله” إلى لبنان، وأخيراً تأكيد المسؤولين الأميركيين اتخاذهم قرار منع سقوط لبنان وانهياره حتى لا تنشغل الدول الكبرى بإعادة لملمته، كلها عوامل تنتج تعاطياً مع الوضع اللبناني بما تيسر، لا تتوقف عند حصص الفرقاء في الحكومة أو في غيرها، وغض النظر عن شروط سابقة للمجتمع الدولي الذي تبنى خريطة الطريق الفرنسية.
التحقيق في انفجار مرفأ بيروت الكارثي سيبقى على وتيرته البطيئة التي ستجعل النتائج متأخرة أو بعيدة. تتجه الحكومة لقرارات بصرف النظر عن الاتفاق مع صندوق النقد، حيث يجري البحث في الكواليس بزيادة رواتب القطاع العام 60 إلى 70 في المئة، في سيناريو يذكر بأرقام سلسلة الرتب والرواتب عام 2018 ، الاتجاه للاستغناء عن البطاقة التمويلية والاكتفاء بما تقدمه وكالات الأمم المتحدة من مساعدات، وإبقاء الحلول لأموال المودعين معلقة وتمديد العمل بما تقوم به المصارف حالياً مع ترك سعر صرف العملة ينخفض ويرتفع وفقاً لهندسات جديدة… هي توجهات لا تمت بصلة إلى خريطة الطريق الشهيرة. المهم تقطيع الوقت في انتظار الانتخابات.