إذا صحت المعلومات المتداولة من أكثر من دائرة ديبلوماسية محلية وغربية في الأيام القليلة الماضية، منذ زيارة الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية آموس هوكشتاين، عن حصول تفاهم مبدئي حول الخطّ 23، في موازاة تقارير حول اقتراب موعد إنجاز اتفاق بين واشنطن وطهران حول الملف الإيراني النووي تزامناً مع تراجع وتيرة الإستعدادات للحرب على الجبهة الروسية – الأوكرانية، فإن لبنان كما المنطقة بأكملها، قد دخلا زمن التسويات المقبلة، وباتت الساحات الإقليمية أمام مرحلة جديدة من خلط الأوراق والتفاهمات والترتيبات القائمة على التوازنات الإقليمية والدولية المستجدة. وفي هذا المجال، يطرح مصدر ديبلوماسي مطلع، تساؤلات حول الإشارات التي ظهرت في الآونة الأخيرة من فيينا، كما من عواصم عربية وخليجية معنية بالوضع اللبناني، والتي تتكامل مع موقفٍ أوروبي يتحدث صراحةً عن وتيرة متسارعة للتسويات التي سوف تستقرّ عليها، مختلف ساحات الشرق الأوسط، ولبنان من ضمنها طبعاً.
وبرأي هذا المصدر المواكب للحراك الديبلوماسي الأميركي في المنطقة عموماً، فإن التغيير بات أمراً واقعاً، ولكن ترجمته تنتظر الإشارات الحاسمة من طاولة المفاوضات الأميركية – الإيرانية بالدرجة الأولى، ومن المتوقع أن يؤدي هذا التغيير إلى إرساء صيغٍ جديدة في المنطقة، لكي تواكب المعادلات التي بدأت تُنسج على طاولة المفاوضات كما في الكواليس الديبلوماسية العالمية والإقليمية. وبالتالي فإن الساحة اللبنانية، قد بدأت بدورها تتلمس مؤشرات الواقع الجديد، بحيث يتحدث المصدر الديبلوماسي نفسه، عن مواكبة لبنانية للمتغيرات من خلال مشهدٍ سياسي وأمني وإقتصادي وحتى مالي وصحي وتربوي مختلف عن السابق، مع العلم أن الإنهيار وتحلّل المؤسسات وتراجع المؤشرات الإقتصادية هي عناصر تحمل بحدّ ذاتها، دلالات واضحة على أن “ما بعد فيينا لن يكون كما قبلها”، حيث أن الترتيبات انطلقت لرسم معالم المشهد الإقليمي الجديد، تمهيداً للتفاهمات التي ستطاول ملفات عدة ومن ضمنها ملفات متّصلة بالواقع اللبناني وبالأزمات القديمة والمستجدة أخيراً، وصولاً إلى نضوج التسوية السياسية الشاملة.
ويضع المصدر نفسه الإستحقاق الإنتخابي المقبل، في صلب التقلّبات الإقليمية، وبشكلٍ خاص في ضوء القرار غير المسبوق الذي اتخذه الرئيس سعد الحريري، بتعليق المشاركة في الحياة السياسية اللبنانية لفترة غير محددة، وفي الوقت نفسه إعلانه العزوف عن مشاركة “تيار المستقبل” في الإنتخابات النيابية في أيار المقبل، على الرغم من الأهمية البالغة التي يرتديها هذا الإستحقاق في ظلّ الظروف الراهنة والصراعات والإنقسامات على الساحة اللبنانية، إذ أن الإنتخابات المقبلة ستكون بمثابة “المحطة التغييرية”، ولكن تيار “المستقبل” لن يكون شريكاً فيها، على الأقلّ حتى الساعة، مع ما يحمله هذا العزوف من انعكاسات بالغة الأهمية على نتائج الإنتخابات المقبلة، والتي ستكون المدخل لتكريس المعادلات السياسية الجديدة التي ستفرضها التسويات الجارية حالياً في الكواليس الديبلوماسية لعواصم القرار الغربية والإقليمية.