كلّما اقترب موعد الانتخابات النيابية، ازدادت احتمالات إمّا إجرائها أو تطييرها. ويبدو أنّ هذا الدويتو المكوّن من منظومة الفساد بريادة تيّار العهد، ومن المنظّمة المسلّحة التي تحميه، أي «حزب الله»، لن يألو أيّ جهد لتطيير هذا الاستحقاق لا سيّما بعدما بات مقتنعاً أكثر فأكثر بأنّ المزاج الشعبي لم يعد من مؤيّديه، فضلاً عن انكسار حاجز الخوف من السلاح غير الشرعيّ. فهل من سيناريو جديد قد يستحضره هذا الدويتو ليستعيد زمام المبادرة بعدما سحبها الأحرار منه في 17 تشرين 2019؟
ولا تعدو العراضات العسكرية التي يجريها في الجوّ وعلى الثلج سوى كونها إشارة إضافية من إشارات الخوف والإفلاس. وبالطبع هنا الخوف ليس من العدو الاسرائيلي الذي أرسى معه قواعد الاشتباك كلّها، على قاعدة القرار 1701. فالخوف هنا من أصوات أهل بيته الأحرار، لو أنّهم سيواجهون صعوبة في خرق لوائحه الحديدية؛ لكن إشكاليته مع الصوت المعارض في قلب بيئته بحدّ ذاتها لأنّه لا يستطيع احتماله. من هنا، نفهم عودة التهديدات لكتم الأصوات التي ستضيع في كمٍّ من اللوائح المعارضة من دون أن تشكّل أيّ ثقل انتخابي؛ هذا بالطبع من دون استثناء جماعات المجتمع المدني والثوار التي ستسعى بكلّ ما أوتيت من قوة لتخوض هذه الانتخابات.
لكن الإشكالية تكمن في مستويين:
١- أن تخوض الانتخابات في لوائح موحّدة.
٢- أن تخوض الانتخابات في لوائح متفرّقة.
في المستوى الأول، إن نجحت جماعات المجتمع المدني والثوار بتشكيل لوائح موحّدة؛ هذا يعني عمَليّاً بأنّها ستتمكّن من تحقيق حواصل انتخابية، بغضّ النظر عن محدوديّتها، وهذا ما سيؤمّن لها مقاعد في الندوة البرلمانية.
أمّا بالنظر إلى المستوى الثاني فستتعدّد اللوائح، وهذا ما سيؤدّي إلى عمليّة تشتّت للأصوات نظراً لعدم توحّدها؛ وهذا ما لن يوفّر أيّ حواصل انتخابيّة، وبالتالي ستكون هذه الأصوات التي صوّتت لهذه اللوائح قد صارت في خانة الأصوات الضائعة. والنتيجة من ذلك ستنعكس سلباً على الخطّ المعارض لأنّ هذه الأصوات لو لم تخض العملية الانتخابيّة منفردة ولو لم تتشكّل لوائح ستحبط حتماً عزيمة هذه المجموعة من الناس، ما سيدفعها إلى عدم المشاركة، وبالتالي انخفاض الحاصل، وستكون أصواتها قد ضاعت. وبالتالي خسارة الخطّ المعارض.
مع العلم أنّه بحسب الخبراء الانتخابيّين في المناطق التي تحتوي على كثافة تصويت لخطّ الدويتو بريادة حزب الله، مفترض أن تكون نسبة التصويت من الخطّ المعارض مرتفعة وذلك لتذويب صوت هذا الخطّ.
مع احتمال ضئيل أن تصوّت للخطّ المعارض. لكن هذه المسألة غير محسومة بل تبقى رهن تطوّر أحداث اللحظة الأخيرة.
وكذلك سيكون خطّ الدويتو هو الخطّ المستفيد إذ ستتوزّع نسب الاقتراع على اللوائح التي ستكون موزّعة بدورها وفق ثلاثة محاور، كما ذكرنا: محور الدويتو، ومحور المعارضة، ومحور المجتمع المدني والثوار.
وهذا ما سيؤدّي بدوره إلى انخفاض الحواصل الانتخابية. يعني ذلك عمليّاً وجود كسور في اللوائح الصغيرة وهذا ما سيتيح لأصحاب الكسر الأكبر بفوز غير متوقّع. فبانخفاض الحاصل الانتخابي كلّ اللوائح التي نجحت بتأمين هذا الحاصل ستكون أمام فرصة للإستفادة من هذه العمليّة لا سيّما من حيث الكسور. وهذا ما قد يؤدّي بالمقابل إلى توزيع الخسارة والربح، ولكن بهذه العمليّة سيتضرّر الخطّ المعارض أكثر إذ سيكون ربحه محدوداً فيما لو كانت اللوائح موحدة لكان هامش الربح أكبر بكثير.
بذلك يكون هذا الدويتو قد استعاد زمام المبادرة من الثوار والمجتمع المدني بطريقة غير مباشرة، لأنّه من المؤكّد سيسعى إلى تحفيز بعض المجموعات الثوروية وتلك التي تعمل تحت ستار المجتمع المدني لتخوض الانتخابات في لوائح منفصلة عن الخطّ الثورويّ وكلّما استطاع الإكثار من الأصوات الضائعة سينجح أكثر بالحدّ من فعاليّة الخطّ المعارض، وسيكون قد أقصى الثورويين التغييريّين من المشهديّة السياسيّة بالكامل. لا يمكن أن تكون مواجهة هذا الدويتو من قبل فريقين منفصلين، بل يجب أن تُخاض المواجهة بلوائح معارِضَة موحّدة، وذلك تحت العناوين السياديّة أوّلاً، بتوأمة مشروع الخطّ المعارض والخطّ الثوروي.
ماذا وإلا ستكون هذه الأصوات الضائعة سلاحاً انتخابيّاً فتّاكاً بيد هذا الدويتو؛ فينتقل بعدها إلى مرحلة جديدة من الحكم، يحكم فيها قبضته على دستوريّة الدولة بالكامل، لننتقل بعدها إلى تغيير الأيديولوجيّة اللبنانيّة بتثبيت الوجهة والوجه الجديد كيانيّاً والذي يطمح إليه هذا الخطّ منذ تأسيسه في العام 1982 في لبنان. ومَن له أذنان للسماع … فليسمع!