Site icon IMLebanon

هل ننتصر على الاحتلال بالانتخابات؟

 

 

لا يختلف اللبنانيون، وحتى المتحمّسون منهم للانتخابات النيابية، على أنّ هذه المحطة لن تكون إلّا نقطة البداية لمعركة تحرير لبنان من الاحتلال الإيراني كما يسمّونه، لاعتقاد كثيرين أنّ الانتخابات النيابية لم تحرّر يوماً بلداً من الاحتلال.

ينتظر اللبنانيون استحقاق 15 أيار. لا بل يراهن البعض على هذا الاستحقاق لبدء انطلاق معركة التغيير نحو إخراج لبنان واللبنانيين من جهنم، التي وصل إليها بفعل التحالف بين المافيا والميليشيا، أي بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحرّ»، على رغم اعتقاد كثيرين أنّ الانتخابات في ظلّ الاحتلال لا تغيّر معادلات، وعصر الاحتلال السوري للبنان كان جلياً بعدم قدرة أي فريق على إحداث تغيير في الستاتيكو الذي كان موجوداً، وإنْ حصل، فهو برعاية سورية أو أفضل الأحوال بغض طرف سوري.

 

من هنا، يردّد بعض المخضرمين في السياسة اللبنانية، لا بل يصرّون على انّ الانتخابات لن تكون حلاً، بل طلقة مطاطية سياسية بوجه الاحتلال المسلح، معتبرين انّ المقاومة ضدّ الاحتلال أضعف الإيمان بكرامة الوطن والإنسان.

 

هذه القراءة المختلفة يعبّر عنها الكاتب السياسي والمفكّر فايز قزي، ومردّها إلى عمق التجربة السياسية التي عاشها، وخصوصاً أنّه كان من المقرّبين من الخميني شخصياً ورفاقه.

 

ويقول قزي لـ»الجمهورية»: «الانتخابات هي ممارسة ديمقراطية لإعلان رأي. فهل يمكن للرأي وحده ان يواجه السلاح»؟

 

ويضيف: «هي محطة مهمّة. لكن لا يجوز الرهان عليها على انّها الحل. لا يمكن الانتصار على ديكتاتور أو محتل من خلال انتخابات ديموقراطية فقط. الاحتلال لا يزول الّا بالمقاومة التي لا تقتصر على المقاومة المسلحة فقط، إنّما المقاومة السلمية أيضاً تؤتي نتائج وثماراً. وبالتالي، الانتخابات ليست رصاصة ضدّ رصاصة، هي عبارة عن طلقة ديموقراطية وإعلان ديمقراطي بوجه الاحتلال العسكري الكبير للبنان».

 

وينبّه قزي قائلاً: «لا أقول انّه لا يجب أن لا ننتخب. بل يجب ان ننتخب السياديين. لكن أرى أنّ لبنان في حال احتلال لا في حال هيمنة او وصاية. ونحن نعيش حال احتلال غير معلنة لأسباب إقليمية، من هنا، الاحتلال في لبنان يمكن مقاومته، وضرورة أن يوازي الانتخابات عمل مقاوم من قِبل الشعب اللبناني وأولهم الشيعة، وإضافة الى الأحزاب والمجموعات السياسية. فهناك خزان شيعي من اليساريين والعرب، يرفضون الاحتلال الإيراني للشيعة أولاً».

 

ويرى قزي انّ «هذه المرحلة أسوأ من مرحلة الاحتلال السوري للبنان. نحن نواجه أسوأ أنواع الاحتلالات الذي استطاع الدخول الى الجسم اللبناني وخطف نصف أعضائه، في إشارة إلى تشيّع الشيعة لإيران، وليس للبنان».

 

ويذكّر قزي بما ورد في مقدّمة الدستور الإيراني: «ليست مهمّة القوات المسلّحة الإيرانية حفظ النظام في ايران فقط بل نشره في العالم». ويضيف اليها ما ورد في وثيقة المستضعفين التي نشرها الحزب في شباط 1985 والتي تؤكّد انّهم ليسوا لبنانيين، والتي تنصّ صراحة على انّ النظام هو الدولة الإسلامية وحكم الأئمة في ولاية الفقيه».

 

ويطرح قزي العديد من الشواهد والبراهين التي تؤكّد انّ الحزب يسعى الى قيام الجمهورية الإسلامية، فهو على سبيل المثال، «يقوم بعملية ممنهجة لشراء الأراضي لمدّ خط يصل مدينة بعلبك بالنبطية في الجنوب، في موازاة عزل المسيحيين والسنّة عن هذا الخط. وبالتالي، إذا لم يستطع الحزب السيطرة على كل لبنان، فهو يريد أن يسيطر على القسم الأساسي منه، وهو القسم المحاذي لإسرائيل بحراً وبراً».

 

ويتابع: «بفهمي هذه المظاهر التي يدّعون فيها انّهم يقاومون إسرائيل ويعتبرونها واميركا الشيطان الأكبر هي عملية غش كبيرة». ويجدّد التأكيد اننا في أخطر انواع الاحتلالات. والمشكلة الأكبر انّ جزءاً من الشعب اللبناني مع هذا الاحتلال، وبالتالي نعجز اليوم عن تحرير كل لبنان في أي عملية مقاومة».

 

الأستاذ والمفكر السياسي أنطوان نجم، يؤيّد «إجراء الانتخابات في موعدها، ولكن ماذا تنتج هذه الانتخابات، فلننتظر».

 

ويعتبر أنّ «الفرق بين الأمس واليوم، أي بين مرحلة الاحتلال السوري للبنان، واليوم، هو وجود اهتمام غربي بالوضع في لبنان، ولربما هذا الاهتمام قد يُحدث تأثيراً معيناً في الداخل اللبناني». في الموازاة، من يستطيعون أن يقوموا بالمواجهة السلمية في لبنان مواقفهم معروفة ومعلنة، و»ما عم بيقصّروا بالحكي». كما أنّ تنظيم أي عملية مقاومة ولو سلمية في وجه الاحتلال الإيراني، وتحديداً في وجه «حزب الله»، ليست قضية لبنانية خاصة، هي أيضاً لها امتدادات خارجية وتخضع لتوازن دولي في هذه المنطقة.

 

ويتابع نجم: «من يراجع تاريخ لبنان الحديث، يتأكّد له أننا لم نكن قادرين ان نكون فعّالين كما يجب، بل كنا نستفيد دائماً من الظروف «التوازنية».

 

وانطلاقاً من انّ موازين القوى تقرّر مصير كل مرحلة سياسية، يرى نجم انّه ليس لدينا إمكانات المواجهة، لكن من لديه هذه الإمكانات يهمّه الّا تكون هناك سيطرة لـ»حزب الله»، وبالتالي لإيران على كامل الواقع اللبناني. وذلك في إشارة إلى المجتمع الدولي، الذي وقف في العام 2005 إلى جانب حركة 14 آذار. لذلك، فإنّ القوى المصنّفة سيادية لا تستطيع المواجهة حربياً، والمواجهة تقتصر على الاحتجاج الكلامي فقط».

 

تختلف القراءات العلمية والسياسية للواقع الحالي في لبنان، إنما تبقى أفضل أمثولة هي أمثولة التاريخ، الذي لا يخضع لأي توازنات، بل حقيقته ثابتة وراسخة. فمن أراد أن يغيّر هوية لبنان فليبدأ بقراءة التاريخ الحديث قبل القديم.