انسحاب «المستقبل» أثَّر في حضورهما وعزَّز زعامات المناطق
10 أيام تفصل عن إقفال باب الترشيح للإنتخابات النيابية، كفيلة بتظهير المشهد الإنتخابي بتقلباته ومفاجآته المتوقع أن تكون كثيرة بالنظر الى مجموعة التحولات الحاصلة، في مقدمها إنسحاب الرئيس سعد الحريري من مجمل المشهد السياسي، مما جعل الصوت السنّي مجزأ بين مجموعة من القوى والأحزاب السياسية في ما كان يُعرف بفريقي الثامن والرابع عشر من آذار.
من الواضح أن السباق على كسب الناخب السنّي بات في أوجّه، بالنظر الى أن الطبيعة التي لا تتقبل الفارغ ولا تقبل به، لن تتلكأ عن إيجاد ما يملؤه. والباحثون عن ملئه كثر، من حزب الله والتيار الوطني الحر الى الحزب التقدمي الإشتراكي والقوات اللبنانية، وبينهما مجموعات حزبية هامشية وتلك المسماة مجتمعا مدنيا.
تجربة القوى المدنية تخضع لمراجعة قاسية مع تراجع الاحتضان وتقليص التمويل
.
وليس خافيا أن النفور الحاصل بين القاعدة المستقبلية على وجه التحديد وقاعدة كل من الاشتراكي والقوات، يسهّل مهمة الحزب والتيار في العمل بحرية نسبية في مناطق النفوذ السني، وإن تبقى حرية مقيّدة بسقف تفهم الحساسيات ومراعاتها وعدم السماح بما قد يزيدها توترا أو تخوّفا أو إنكماشا.
وكان لافتا أن الحراك الذي يقوده وحيدا الرئيس فؤاد السنيورة، لم يجد صداه بعد، ربما بفعل توزّع الخصوصية السنية مناطقيا بعد إنكفاء الحريري وإنحسار نشاط تيار المستقبل حدّ الهمود، مما يعني الميني -زعمات المناطقية هي المرشحة لقيادة حالات إنتخابية موضعية. وربما أفضل ما يعبّر عن هذا الواقع ما يحدث في البقاع الغربي من تطورات مفاجئة وغير محسوبة وفي الوقت عينه ذات دلالة، حيث بات النائب محمد قرعاوي (العضو في كتلة تيار المستقبل) يتحكّم بجزء كبير من المجريات الإنتخابية، وبات قادرا على وضع فيتو إنضمام النائب وائل أبو فاعور الى اللائحة التي يعمل على تشكيلها، مما يهدد فعليا بحرمان الحزب التقدمي الإشتراكي من أحد مقاعده. وتنسحب حالة قرعاوي الى مناطق سنية أخرى، من مثل حالة النائب وليد البعريني في عكار (وهو الآخر عضو في كتلة تيار المستقبل) الذي بات قادرا على فرض الشروط ووضع الفيتوات.
ينذر المشهد الإنتخابي، تأسيسا على بزوغ نجم زعامات سنة في المناطق، بتحولات دراماتيكية في التوازنات والأحجام والخسائر المترتبة تحديدا على القوى والأحزاب التي كانت تنهل من القواعد السنية من أجل تثبيت حجم أو تضخم آخر:
أ-فرضت الحساسية السنية على رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع أن يراجع جدّيا حساباته. ولا يخفى أن الطموح لوراثة القاعدة الناخبة لتيار المستقبل، بلغ حدا جعل القيادة القواتية تتحدث عن قدرتها على تصيّد كتلة نيابية وازنة تزيد عن الـ25، بين نواب مسيحيين وسنّة. لكن الموقف المستقبليّ المنقبض من كل ما هو قواتي، أيقظ معراب على واقع أن كتلتها قد تحافظ على حجمهما الحالي، مع إحتماليّ الـ12 حدّا أدنى والـ16 حدّا أقصى.
ب-إنسحبت الحساسية السنيّة نفسها على الحزب التقدمي الإشتراكي، وإن بدرجة أقل. ولا شك أن فقدان الإشتراكي المؤازرة السنية في الشوف والبقاع الغربي سيعمّق من جراحه الإنتخابية، مع عدم استبعاد أن يبادر النائب السابق وليد جنبلاط الى خيار دراماتيكي غير متوقع إرتكازا على الدراسات الإحصائية التي تظهر إنحسارا في كتلته النيابية قد يكون غير مسبوق.
ج-لم يفلح المجتمع المدني في تكوين عصب سنيّ يرتكز عليه لبناء حضور وازن له في مناطق التأثير السنّي يتيح له على بلورة كتلة نيابية متراصة. وفي أي حال، لم يعد خافيا أن مجمل تجربة القوى المدنية تخضع لمراجعة قاسية محلية وخارجية، مع تراجع الإحتضان الخارجي وتقليص التمويل والدعم اللوجستي والسياسي. وعلى سبيل المثال، من المفيد مراجعة كل من منصتيّ كلنا إرادة ونحو الوطن، أين كانتا في عزّ الزخم والحضور والتأثير قبل 3 أشهر، وأين أصبحتا اليوم؟