إلى الآن، نجحت «قوى المعارضة» و»قوى التغيير» كما تصف نفسها، بتقديم هدايا مجانية لخصومها القابعين على كراسي السلطة. يكفي أن يُقبل تاريخ 15 آذار، موعد إقفال باب الترشّح، من دون أن تحسم مجموعات الحراك الشعبي تفاهماتها وتقدّم نفسها في قالب تفاهمي يتمتّع بالصدقية والقابلية لإقناع الرأي العام… لكي ترتاح القوى الموالية لمجريات المعركة الانتخابية، وتزيح وزناً كبيراً من عبء الاعتراض الملقى على كتفيها والذي يجعل مشروعها غير مقبول من شرائح كبيرة من المجتمع اللبناني.
قبل نحو شهرين من فتح صناديق الاقتراع، لا تزال المجموعات الجديدة، أو تلك المعارضة، تعاني تضارباً في مواقفها الانتخابية. بعض المتفائلين في هذا الاصطفاف ضرب أكثر من موعد لولادة تفاهم انتخابي عريض يعيد إحياء وتجديد شريط معركة نقابة المهندسين التي خاضتها المعارضات على نحو موحّد، وساهم في خلق موجة تأييد صبّت لمصلحة النقيب الجديد. ولكن كلّ المواعيد التي ضُربت، ولو خلف الكواليس، لم تر النور.
وها هي عقارب الساعة الانتخابية تنذر باقتراب لحظات الحسم من دون أن تتمكن هذه المجموعات من تذليل العقبات ومعالجة خلافاتها واختلافاتها. وحدها مجموعة «شمالنا» تمكّنت من عبور معمودية الترشيحات بسلام بعدما وضعت آلية محدّدة لاختيار وجوه المعركة والتزم كلّ من قرّر خوض هذه التجربة، بالنتيجة، فكانت السبّاقة في تأليف لائحتها، وهي الأولى على مستوى لبنان، وعلى مستوى دائرتها الانتخابية، أي بشري- زغرتا- الكورة- البترون.
وتشير المعطيات إلى أنّ مجموعة «جنوبنا» تقترب من حجز موقع للائحتها أيضاً وهي نجحت في تذليل المعوقات وتتّجه إلى إعلان قائمتها الانتخابية في دائرة بنت جبيل- النبطية- حاصبيا- مرجعيون، كذلك الأمر بالنسبة إلى لائحة «سهلنا والجبل» التي ستعلن لائحتها عن دائرة البقاع الغربي.
بالنتيجة، نجحت مجموعات الأطراف في تحقيق ما عجزت عن التوصل إليه، أقله إلى الآن، المجموعات والأحزاب المتواجدة في جبل لبنان وبيروت بدائرتيها. ولعلّ ذلك يعود إلى سببين:
الأول هو طفرة المرشحين والطامحين للجلوس في عداد اللوائح الانتخابية المعارضة، مع العلم أنّ بعض الترشيحات ليس سوى أسماء على ورق، لا تمثيل جدّياً لها على الأرض ولا قيمة مضافة قد تشكّلها للوائح. لكن طبيعة بعض المقاعد التي يتمّ الاقتتال عليها، يجعل منها هدفاً مهماً لمعارك طاحنة تخاض راهناً في سبيل حجز الترشيحات عليها. وعلى خلاف أزمة قوى السلطة التي تعاني شحّاً في ترشيحات الأصدقاء، فإنّ قوى المعارضة تشكو من عجقة مرشحين تصعّب عملية التفاهم والتلاقي الانتخابي.
الثاني هو الاحتمال المرتفع لتحقيق الخرق في دوائر جبل لبنان وبيروت حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أنّ نحو نصف الناخبين قد يصوّتون لـ»لا أحد»، وبالتالي قد تكون لوائح المعارضة أكثر جذباً للرأي العام من لوائح السلطة. ولهذا فإنّ الصراع على أشدّه بين قوى المعارضة وقوى التغيير لضمّ المقاعد التي تعتبر بمثابة أهدافٍ سهلة يوم 15 أيار المقبل. ومن هذه المقاعد على سبيل المثال لا الحصر: أحد المقاعد المارونية في بعبدا، مقعد الأقليّات في دائرة بيروت الأولى، المقعد الأرثوذكسي في المتن كذلك أحد المقاعد المارونية، المقعد الشيعي في دائرة كسروان- جبيل كذلك أحد المقاعد المارونية في كسروان…
ولهذا، يقول أحد المعنيين بجولات المشاورات والمفاوضات الحاصلة بين هذه المجموعات، إنّ الخلافات حول بعض المقاعد جعلت من سيناريو التفاهم صعباً، أقلّه إلى الآن وبشكل قد يفوّت الفرصة على هذه القوى لتحقيق خروقات نوعية في لوائح السلطة وحجز مقاعد لها في برلمان 2022. ولهذا، يعتقد هؤلاء أنّ موعد 15 آذار من شأنه أن يساعد على تذليل العقبات، ذلك لأنّ بعض المرشحين لن يكمل الطريق إذا لم يضمن وجوده على لوائح المعارضة وبالتالي لن يتقدم بطلبات ترشيحه. ما يعني أنّ إقفال باب الترشح قد يكون بمثابة غربال تحتاجه هذه المجموعات لكي تخفّف من أوزان الطامحين الثقيلة، لتصير طاولة المفاوضات أكثر مرونة وأكثر قابلية للتفاهم.
بالمقابل، يقول المعنيون إنّ بعض قوى السلطة يؤدي دوراً سلبياً في تشجيع بعض الترشيحات المعارضة من باب صبّ الزيت على نار الخلافات بشكل يحول دون التحام المعارضين، وها هي طرابلس على سبيل المثال قد تشهد ولادة ست لوائح معارضة لا دور لها سوى تعطيل أي فرصة لتحقيق خرق في لوائح السلطة.