لا يمكن إلا رصد التحولات في الشارع السني بعد كلام الرئيس فؤاد السنيورة. لكن التحدي الأكبر الذي يواجه خصوم حزب الله، هو: إلى أي مدى يمكن قيام تحالف عريض، أم يُكتفى بالتقاء سياسي من دون ترجمته انتخابياً؟
منذ أن قال الرئيس فؤاد السنيورة كلمته في موضوع المشاركة في الانتخابات، تُطرح تساؤلات حول الخطوة المقبلة التي يمكن أن يسير بها والفريق الذي أيّده. ووسط أخذ وردّ، داخل البيت السني وخارجه، جاءت استقالة النائب السابق مصطفى علوش من تيار المستقبل لتسلّط الضوء أكثر على المنحى المستجدّ في مسار الانتخابات، في ظل عاملين: الأول موقف الرئيس سعد الحريري وفريقه من مرحلة ما بعد كلام السنيورة بعد حسمه موقفه المقاطع لاستحقاق 15 أيار، والثاني السقف السياسي والتحالفات التي قد تُنسج على طريق ترجمة الخطاب السياسي.
كان السنيورة واضحاً في تحديد الخطوط العريضة لبرنامج الانتخابات المقبل، أي مواجهة حزب الله واستعادة بعض ملامح مرحلة 14 آذار. وهو، بموقفه، أعاد الطرف السني الأكثر تمثيلاً والأوسع انتشاراً إلى المربع الأول الذي يلتقي فيه حكماً، مع قوى تلك المرحلة، ولا سيما منها الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية وشخصيات مستقلة بقيت تتحرك تحت سقف مواجهة حزب الله، حتى في عزّ التسوية الرئاسية، وخفض تيار المستقبل لهجة خطابه.
ورغم أن الأطراف المعارضة لحزب الله تحتاج حكماً إلى نوع من التحالف لخوض معاركها، إلا أنه يبدو، حتى الآن، أن التفاؤل بإمكان نسج تحالف عريض القاعدة، على مثال مرحلة عام 2009 في جبهة معلنة رسمياً وموحّدة، لا يزال مشروطاً بكثير من التحديات. فالتواصل الانتخابي والسياسي هو التعبير الأقرب إلى الواقع لوصف ما يجري حالياً، في انتظار بلورة كل من الأطراف الثلاثة، كل من جانبه، حيثيات معركته وآفاق التعاون المشترك ومستقبله، وحسابات كل طرف في الربح والخسارة.
يلتقي الأطراف الثلاثة، ومعهم مستقلون، على عنوان مواجهة حزب الله وعدم مقاطعة الانتخابات. لكن ترجمة الخطاب السياسي تحتاج إلى آلية عملانية لا تزال غائبة حتى الآن. فالسنيورة، بحسب المعلومات، يأخذ وقته في وضع اللمسات الأخيرة على مرحلة خوض الانتخابات والتحالفات التي ينسجها. وطبيعته وأداؤه داخل البيت السني، وفي علاقته مع الحريري ومع أفرقاء مرحلة 14 آذار، يجعله من غير المحبّذين لخلق جو استفزازي من خلال إعلان تحالفات واسعة في اتجاه شخصيات محسوبة على خط المستقبل أو خارجه. وحلفاؤه المفترضون يتناغمون معه، ولا يستعجلونه، وليسوا في وارد خلق أي توتر مع الحريري. رغم أن الأخير، بحسب معلومات، مستمر في إرسال رسائل واضحة إلى بعض المرشحين المفترضين بعدم الترشح، وفي حال ترشحوا عدم الدخول في تحالفات سبق أن رفضها مع القوات أو شخصيات مستقلة.
الاتصالات قطعت شوطاً بعيداً تحت مسلّمات أساسية يلتقي عليها الأطراف الثلاثة
ما يفعله السنيورة هو ترك مزيد من الوقت للحريري ولغيره من شخصيات سنية، بعدما كسب ورقة دار الفتوى. والإشارات الأولى سنياً، رغم المنزلة التي لا يزال يحتلها الحريري، تعطي الأفضلية للمشاركة في الانتخابات. وهو يحتاج وقتاً كي يتلمّس تطور موقف الحريري إزاء تفاعل الحال السنية وقرار المشاركة في الاقتراع والترشح، وهل يمكن أن يستمر في شخصنة قرار العزوف وقرار المشاركة، فيعادي كل من وقف إلى جانبه منذ عام 2005. علماً أن السنيورة، بحذره الدائم، يستمر في إبلاغ الحريري بأن وديعته «الحكومية» و«القيادية» في مأمن، وأن الضرورة الحتمية تقتضي المشاركة في الانتخابات لا العكس.
الأفرقاء الآخرون يلاقون السنيورة في منتصف الطريق. يتصرف كل طرف وكأنه يخوض الانتخابات منفرداً، فيراعي كل منهم الآخر بحذر، في انتظار مزيد من الاتصالات التي تسمح بالتقدم خطوات إلى الأمام. لكن الأكيد أن الاتصالات قطعت شوطاً بعيداً تحت مسلّمات أساسية يلتقي عليها الأطراف الثلاثة كونهم الأكثر تمثيلاً وعدداً، مع بعض التمايزات. فالحزب التقدمي الاشتراكي حدد خياره السياسي بمواجهة حزب الله سياسياً، لكن سقف المواجهة ليس مفتوحاً، بمعنى أنه سيكتفي بخوض تحالف انتخابي إطاره معروف في الشوف وعاليه وبعبدا، ولن يخوض جبهة في وجه الحزب، مكتفياً بإرسال رسائل مباشرة إليه. وبهذا المعنى، يصبح التواصل مع القوات، مثلاً، مفتوحاً، فيتوقف حيناً ويستأنف على قاعدة تقاسم الحصص والمقاعد، التي لا تزال متعثرة في عاليه مثلاً. لكنها، إجمالاً، قطعت شوطاً في تحديد خيارات وأسماء في شكل متقدم عن المرحلة السابقة. ورغم أن لجنبلاط هموماً سنية تتعلق بالإقليم، وبالتأثيرات الشيعية في مناطق نفوذه، إلا أن وضع الجبل «مسيحياً» يجعله ميالاً إلى التعامل انتخابياً بحرص وعناية، من دون أن يتخلى عن تعهداته التي لا يزال مصراً عليها، وأوقف التفاوض أكثر من مرة لإصراره عليها. علماً أنه حدد خصومه انتخابياً، خصوصاً في الجانب المسيحي.
وسط الطرفين، تتصرف القوات وكأنها أكثر الأطراف ظهوراً في المشهد الانتخابي، بين إعلان ترشيحات وتحديد أسماء، فضلاً عن تحديد عناوين المعركة الانتخابية على أكثر من جبهة. بين المشكلة المسيحية الدائمة وتنوع الخلافات، وبين الاشتراكي والجو المستجد سنياً بعد عزوف الحريري، يصبح الحوار الانتخابي في موازاة الحوار السياسي «السيادي» موزعاً. فمع الاشتراكي حوار يتشعب، ومع السنيورة تواصل لم يترجم بعد حواراً انتخابياً، في موازاة حوار مع قوى وشخصيات مسيحية لنسج تحالفات. لكن ثمة لحظة ينتظرها الجميع تشكل هي المناسبة كي يحول الأطراف المعارضون لحزب الله خطابهم السياسي أمراً واقعاً. إلا أن الانتخابات في النهاية عبارة عن ترشيح واقتراع وتحالفات، وعلى هذا الأساس ستحتسب نتيجة معركة 2022.