يبدو أن موعد إجراء الانتخابات النيابية قد دخل بازار الاجتهادات والتكهنات، وبدأ الانقسام في الرأي يطفو على السطح السياسي حول مصير هذه الانتخابات، فهناك من يرى ان المناخات الداخلية وما يجري من تطورات متسارعة خلف البحار لا يوحيان بإمكانية حصول هذا الاستحقاق في موعده المقرر منتصف أيار المقبل، وهناك من يؤكد لا بل يجزم بأن الانتخابات ستحصل في موعدها وأن لا تأخير في ذلك ولو لثانية واحدة من الوقت، ويذهب هؤلاء إلى التأكيد بأنه على الرغم من الأوضاع السيئة على كل المستويات في الداخل اللبناني، وبالرغم من حالة التوتر التي تحكم المشهدين الاقليمي والدولي بأنه لا يوجد حتى الساعة أي مبرر أو أي مانع من إجراء هذه الانتخابات، وأن لا أحد يمكنه تعطيلها إلا زلزال مدمر يجعل من عملية تأجيل الانتخابات واقعاً لا يستطيع أحد التهرب منه.
والمراقب للوقائع السياسية اليومية، وللمسارات التي تقارب العملية الانتخابية يصل إلى ثابتة غير قابلة للجدل وهي أنه لا يوجد أحد على مساحة الأراضي اللبنانية مهما كان موقعه وحجمه لديه القدرة حتى على مجرد اقتراح تأجيل الانتخابات لأنه ليس مضطراً، وبالرغم من المنطقة الميتة الفاصلة عن موعد الانتخابات الذهاب في اتجاه تأجيل الانتخابات لكي لا يفسر هذا الموقف على انه تعطيلي ويرمي البلد في بطن الحوت.
محتكرو المحروقات والمواد الغذائية أمراء حرب جدد يقبضون على البلد
ويسأل أصحاب الرأي الذي يرجح كفة إجراء الانتخابات، أنه ما دام القديم سيبقى في غالبيته على قدمه، وأنه سواء جرت الانتخابات أم تأجلت سيبقى الوضع اللبناني من مختلف زواياه السياسية والاقتصادية والمالية على ما هو عليه، فلماذا نذهب في خيار عدم إجراء الانتخابات وإظهار لبنان بأنه ماضٍ في عدم الايفاء بالتزاماته تجاه المجتمع الدولي الذي يصر على حصول هذه الانتخابات التي يعتبرها مدخلاً ضرورياً للولوج في إجراء الاصلاحات المطلوبة قبل الشروع في تقديم المساعدات الدولية للبنان للخروج من أزماته.
كما أن هؤلاء يسألون ما الحكمة من طلب تأجيل الانتخابات؟ هل هناك قانون جديد منتظر للانتخابات من شأنه أن يوصل البلد إلى مجلس نواب مثالي مغاير للموجود حالياًً؟ هل هناك من خطة طوارئ لمعالجة الأزمات الموجودة تتطلب التفرغ لها؟ وطالما هذه النقاط غير موجودة فلا مبرر ولا ذريعة ولا فائدة ولا حكمة من وراء أي قرار بتأجيل الانتخابات، لا بل أنه يجب التعاطي مع أي شخص يطالب بتأجيل الانتخابات على أنه مجرم حرب.
ويستغرب هؤلاء كيف أن هناك في لبنان من يصوّر هذا البلد وكأنه مدينة في أوكرانيا تتعرض للقصف اليومي، فاسحاً في المجال أمام أمراء الحرب الجدد من تجار المحروقات والدواء والمواد الغذائية أن يتحكموا بمصير شعب بكامله ويجرّون البلد إلى مدار الفقر والعوز، واصفين هؤلاء بأنهم أخطر من الميليشيات المسلحة كونهم يدخلون إلى كل بيت، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على فقدان الدولة لهيبتها، وكذلك على هشاشة البلد الذي بات أسير مزاجية المحتكرين.
في مقابل ذلك، فإن هناك من يشكك في إمكانية حصول الانتخابات لاعتبارات داخلية وخارجية، فعلى المستوى الداخلي يرى هؤلاء ان الوضع اللبناني من مختلف زواياه لا يشجع على الذهاب في اتجاه الحسم بأن الانتخابات ستحصل في موعدها، كما أن القوى السياسية بغالبيتها غير متحمسة على حصولها وأنها تفضل إبقاء الاستحقاق الانتخابي في دائرة «ستاتيكو» إلى حين انقشاع الرؤية على مستوى الاشتباك الدولي الحاصل في اكثر من موقع، وكذلك بالنسبة للوضع اللبناني الذي في حالته الراهنة لا يحتمل اجراء الانتخابات لا من حيث الوضع المالي رغم الكلام الدولي عن تقديم المساعدات، ولا من حيث المزاج الشعبي الذي انقلب رأساً على عقب في الآونة الأخيرة نتيجة المرارة السائدة من اللامبالاة عند السياسيين في إدارة الأزمات التي تشد على خناق غالبية الفئات اللبنانية.
ويعتقد هؤلاء أن التسريبات التي قالت ان وزير السياحة وليد نصار طلب تأجيل الانتخابات لفترة ثلاثة اشهر، لم تأتِ من العدم وأن هناك جهة سياسية معنية أوحت للوزير نصار بأن يتولى تقديم هذا الطرح، في محاولة لجس النبض حول عملية التأجيل، فإن كان المناخ يميل إلى مثل هذا الطرح يتم تطويره مع قابل الأيام وترويجه، وإن كانت النتائج معاكسة يتم غض النظر عنه والتعامل معه على أنه لم يكن، مشيرين إلى ان الخلاف على «الميغاسنتر» ربما يكون سبباً في حصول التأجيل.