تحمل كل من أحزاب المعارضة والمعارضين المستقلين شعار كسر قوى السلطة. أما في نقاشات ناخبين معارضين فالأسئلة عن أهمية التصويت ضد، ولكن ليس إلى حد التصويت مع أحزاب المعارضة
في خضمّ الاستعداد للانتخابات النيابية، تتجه الأنظار نحو القوى السياسية وترشيحاتها واستعداداتها لتشكيل اللوائح وتحالفاتها. لم يجر الكلام بعد عما يريده الناخبون الذين يتم التعامل معهم، عادة، من وجهة سيئة، على غرار ما كان يحصل في الانتخابات التي أعقبت اتفاق الطائف، وفي ظل الوجود السوري، من كلام حول محادل ورشاوى وتزوير هويات وبوسطات انتخابية واقتراع مجنسين. نادراً ما كان الناخب يمثل معادلة في ذاتها يمكن الالتفات إليها من الناحية الإيجابية، لأن الطابع العام كان تجذّر الناخبين في معتقداتهم الحزبية والطائفية، بحيث راجت كلمة «بلوك» انتخابي للدلالة على حجم اقتراع «الكل» للزعيم الواحد والحزب الواحد.
مع 17 تشرين تغير المشهد الشعبي، وبدّل معه كثيراً من المعتقدات السياسية والانتخابية حيال نظرة اللبنانيين لزعمائهم وأصحاب السلطة. وجاءت بعض مشاهد الانتخابات النقابية لتعطي صورة مماثلة حول الخروج من «البلوكات» الانتخابية. لكن سرعان ما تراجعت هذه الصورة، بعدما استفحلت مشاهد الذلّ على محطات المحروقات والمصارف وآلات الصرف من دون أي مظهر احتجاجي. وأضيف إليها لاحقاً، تمهيد الحكومة لرزمة الأسعار الخيالية في الكهرباء والاتصالات والدواء والمحروقات، فلم يتحرك الناخبون المفترضون اعتراضاً حتى قبل 15 أيار.
مع اقتراب الانتخابات يعود الكلام، لا سيما في صفوف معارضي أحزاب السلطة، عن الناخبين وكيفية تصويتهم الذي يبدو حتى الآن أقرب إلى التصويت السلبي، بالاقتراع ضد وليس مع، أي ضد السلطة أكثر مما هو مع الأحزاب والقوى المعارضة لها. النقطة الجوهرية في هذا المزاج الذي يتوسع في بعض المجموعات، محاولة حث الناخبين المعارضين على الاقتراع لأحزاب معارضة للسلطة الحالية، كانت في مرحلة من المراحل في صلب النظام، لمجرد أن حظوظها مرتفعة وقد تكون قادرة على كسر السلطة الراهنة. وهذا يتطلب الرهان على من له قاعدة نيابية موجودة يمكن مراكمتها، بدل التصويت للمجتمع المدني أو للمستقلين الذين قد يفتقدون إلى حظوظ الفوز.
تعول قوى المعارضة الحزبية تماماً كأحزاب السلطة على جمهورها الحزبي الملتزم
تعول قوى المعارضة الحزبية على جمهورها الحزبي الملتزم، تماماً كما أحزاب السلطة. وتراهن على طبقة من الناخبين تمتنع عادة عن التصويت أو تتريث حتى الدقيقة الأخيرة في حسم خياراتها. لكن الجمهور الناخب الجديد الذي بدأ يتلمس مع 17 تشرين أفكار المعارضة لكل أحزاب السلطة، بما في ذلك تلك التي ترفع اليوم شعار التغيير، يناقش تفصيلاً الخيارات المتمحورة حول ضرورة فصل الاقتراع ضد السلطة عن الاقتراع للأحزاب، ولو أدى ذلك إلى خسارات محتملة. بعض هؤلاء الناخبين سيقترع للمرة الأولى، وبعضهم سبق أن شارك في دورة 2018، مع بدايات انطلاقات المجتمع المدني. وثمة أجوبة عدة فيها بعض الخلاصات الأولية المعبّرة:
الجواب الأول هو أن لا مقاطعة للانتخابات، حتى لو لم تكن هناك لوائح مجتمع مدني ومستقلين فعلياً، في عدد من الدوائر. فالتصويت هو للأوراق البيض إذا تعذر وجود لوائح مستقلين أو تلك التي تضم أسماء مشهوداً لها فعلياً بالاستقلالية والشفافية والصدقية.
الجواب الثاني هو أن حلقات استكشافية تعقد لمعرفة خلفيات المرشحين و«درس ملفاتهم»، أي مدى ابتعادهم عن السلطة بكل أنواعها، سواء تلك التي لا تزال فيها أو التي خرجت منها. وفي هذا البحث، تتراكم هويات المرشحين ونبذاتهم العلمية والعملية ومدى تجانس خطابهم مع أي من خطب الأحزاب. واللافت وجود شرائح انتخابية شبابية قادرة على التفلت من مفهوم «معرفة» المرشح وزياراته العائلية والواجبات الاجتماعية، لصالح معرفته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما في مجال نشاطه الاجتماعي والبيئي والعلمي والثقافي.
الجواب الثالث: تبرير الانحياز إلى المرشحين المستقلين البحت ولو انعدمت حظوظهم في دوائر تطغى عليها العصبيات والطائفية والقبلية، بضرورة خرق الاحتكار العصبي ما يؤسس لنواة معارضة حتى ولو ضئيلة يمكن الاستفادة منها في الدورة الانتخابية المقبلة. هناك بعض الحسم في الكلام عن أنه لا يمكن الاقتراع لممثلي أي قوة معارضة سياسية لمجرد حظوظها بالفوز، لأن ذلك تكريس للواقع الموروث. وإن كان ذلك يغري بعض الذين يضعون أمامهم هدف إسقاط بعض الشخصيات المحددة، وبدأوا يتأثرون بحملة المعارضة في مقابل الاستفزاز الذي تخلقه لديهم أحزاب السلطة. علماً أن بعض الشخصيات المعروفة التي تقدم نفسها كمستقلة وسبق أن ترشحت إلى جانب قوى حزبية بحت في دوائر حساسة، ومنها في الشمال وجبل لبنان، تحاول التواصل مع هذه الشرائح الشبابية لإقناعها بتمايزها السياسي.
الجواب الرابع: ما يقلق هؤلاء في مكان آخر ويثير امتعاضهم هو حجم التشرذم الحاصل لدى قوى المجتمع المدني والشخصيات المستقلة، والتباين في اختيار شخصيات قد لا تكون مثار اطمئنان وثقة. وهذا في حد ذاته يدفع البعض إلى العودة إلى المكان الأكثر أماناً، أي الاقتراع من ضمن السياق العائلي والحزبي المعروف من دون مخاطر. وعلى هذه الشرائح تعوّل الأحزاب المعارضة في خلق تيار شبابي يقدّم شعار كسر السلطة أولاً وآخراً، ولو اقتضى الأمر التصويت للمعارضة وليس للمستقلين.