هل «الإنفحاط» المؤيد لإجراء الإنتخابات النيابية في موعدها المقرر، هو واقع حقيقي وثابت؟ وتلك التأكيدات المنهمرة على الواقع السياسي القائم من كل حدب وصوب، بما فيه تلك الجهود المنصّبة على الوضع اللبناني المنهار، شاملة أكثر من موقع دولي فاعل، هل من ركائز ومعالم جدية تؤكد أصولها وفصولها وحصولها على خير وسلامة؟ ما تغمرنا به وسائل الإعلام خاصة منها ما هو مرتبط ومحسوب على قوى السلطة المتمركزة في مواقعها منذ عقود طويلة، تطغى عليه بعض معالم التاييد والتأكيد، إلاّ أن ما يواكبه ويداخله من تصرفات عملانية ومطالب توحي بالتحفظ والإهتزاز في النويايا والتطلعات، لا يدل على أي قدر من الثبات على المواقف المعلنة، فإذا الحقيقة المكبوتة تتراوح ما بين الأقوال الملغومة والمطالب الرامية إلى هزّ الثوابت المعلنة بجملة من المطالب الحافلة بالمعيقات، وأكثر ما يفاجئنا منها، تلك المطالب مستحيلة التحقيق في إطار بروزها الفجائي واستحالة تحقيقها في وقت محشور بالموانع والعوائق التي أمسك بخيوطها وخطوطها معالي وزير الداخلية من خلال موقفه من الميغا سنتر ورفض صيغته معجّلة الإقتراح والتنفيذ من قبل رئيس التيار الوطني الحر ونوابه ووزرائه، وجاءت معظم المواقف والإفتراضات، لتؤكد أن هذا الطرح المتأخر والمتعثر، إنما هو وسيلة لوضع العراقيل في وجه انتخابات مقبلة، باتت كل الدلائل تؤشر على انخفاض حظوظ التيار الوطني الحر في المحافظة على مواقعه النيابية القائمة فيها، نظرا للتراجع الملحوظ في شعبيته «خاصة على الصعيد المسيحي»، حيث تنم الإحصاءات المختلفة والأجواء العامة السائدة بهذا الخصوص، على أنها ستكون منخفضة عن الحدود التي تحصل في أية انتخابات نيابية مقبلة، مما قد يضعها في موقع حافل بالمفاجآت السلبية التي تزيد إلى حدّ بعيد من تدني حظوظ السعي الدائب إلى ترئيس من سقطت معظم حظوظه في الرئاسة المقبلة.
وفي الإطار نفسه، لا يسعنا إلاّ الإشارة المقلقة إلى الوضع الإنتخابي لدى الطائفة السنية، نتيجة الموقف المحيّر الذي اتخذه رئيس تيار المستقبل نتيجة لحكمه الشخصي على أوضاعه التي استجدت، وبالرغم من التفسيرات والمبررات المختلفة التي رافقت هذا الموقف، إلاّ أن كثيرا من نتائجها وضعت كثيرا من الألغام في وحدة الموقف السني، فإذا بالحصيلة الناتجة حتى الآن في هذا الإطار تؤكد لدى أكثر من جهة على إرادات ومواقف متناقضة بدرجات مختلفة مع موقف رئيس تيار المستقبل، لعل أهمها وأكثرها فعالية، موقف سماحة مفتي الجمهورية والمجلس الشرعي الأعلى وتصاريحهما ومواقفهما المعلنة بهذا الصدد، وموقف الرئيس فؤاد السنيورة المتمثل بمواقفه وتصريحاته وجهوده الحثيثة الرامية إلى تكثيف موقف سني مؤيد ومتحمس للدخول في المعمعة الإنتخابية بكل أصولها وتفاصيلها، وصولا في ذلك إلى إمكانية نزوله شخصيا في المعمعة الإنتخابية إذا ما توفرت له ظروف داخلية وإقليمية وخارجية ملائمة. كل ذلك، دون أن نغفل مواقف كثيرين من رؤوس ورموز التيار البارزين في أكثر من منطقة من مناطق التواجد السني، ودون أن نغفل أن هذا الموقف «المستقبلي» قد ألهب طموحات ونشاطات كثيرين من العناصر البارزة والمتحفزة إلى إشغال المواقع الخالية.
إشارةٌ لا بد منها لأوضاع الثنائي الشيعي المتمركز حتى الآن في مواقع ثابتة ومتمكنة من شموليتها وقدرتها على الإمساك بمواقع السلطة والحكم هي في استعداداتها «المحتملة» للإنتخابات النيابية المقبلة تنطلق من وضعيات أقل تأثرا بالمستجدات القائمة خاصة وأن بعضها يتلقى شتى أنواع العون والمساهمة الواسعة في نشاطاته ومصاريفه كافة من جهات خارجية سبق أن أسهب سماحة أمين عام الحزب في تفصيلها. (مع تمييز واضح ما بين موقف حزب الله من الإنتخابات وموقف حركة أمل الحريص على إجرائها في موعدها).
وبعد: هناك من يأملون بتغييرات حثيثة وواسعة قد تسفر عنها نتائج الإنتخابات «المقبلة» خاصة وأن أرتالا من السلبيات قد تفاقمت على جموع الشعب اللبناني الغارق في أهوال شديدة الإيلام والمعاناة المفرطة. طبعا: ما أصعب العيش لولا فسحة الأمل، ولكن كل الظروف تدفع بنا مع الأسف إلى حضيض أعمق من لهيب جهنم. وها هي أحداث الحرب الأوكرانية تتحول أكثر فأكثر إلى أهوال مشروع حرب عالمية تصعّب على البشر عموما كل جوانب حياتهم، وصولا في ذلك إلى لبنان المعاني المكابد، والذي تزداد أحواله هبوطا في «جهنم» وكوارثها، فكيف بنا وقد أضيفت إليها قسرا تلك المستجدات الكونية التي لا يعلم إلاّ الله، مدى تطورها واستمراريتها وتمدّدها.