إقفال باب الترشيح غداً، يُعتبر الخطوة الأولى الجدية في المسار الإنتخابي، ومع ذلك مازالت هواجس التأجيل محور تداول بين الناس، قياساً على تجارب سابقة، حصل فيها تطيير الإستحقاقات الدستورية في اللحظات الأخيرة.
الترشيحات التي أعلنتها الأطراف السياسية التقليدية لا تحمل تباشير تغيير واعد في تركيبة المنظومة الراهنة، وبالتالي فإن الرهان يبقى على المرشحين الجدد، سواء خرجوا من المجتمع المدني، أو كانوا من المستقلين، ولكن إمكانية الإختراقات تبقى مرتبطة بنسبة الإقبال على الصناديق يوم الإقتراع.
التحدي الأكبر لقوى التغيير ودعاة الإصلاح يبقى في القدرة على تأليف لوائح مُقنعة للناخبين، وتضم أسماء توحي بالثقة، وتُشجع المترددين على النزول إلى أقلام الإقتراع، ومواجهة بلوكات أحزاب المنظومة الفاسدة والفاشلة، والإلتفاف، قدر الإمكان، على القانون الهجين الذي تم تفصيله على مقاسات أحزاب السلطة.
من السذاجة بمكان الإعتقاد بأن إنتخابات أيار ستُسفر عن التغيير الجذري المنشود، فمثل هذه الخطوة الإصلاحية والتطويرية لا تتم بكبسة زر، ولا بين ليلة وضحاها. ولكن مجرد دخول العناصر التغييرية إلى مجلس النواب يُعتبر بداية لمشوار طويل، معقد ومتشعب، لا بد أن تتوفر له الظروف الملائمة في المراحل القادمة.
ليس من الخطأ أن تعتبر القوى التغييرية أن معركتها الحقيقية ستكون في إنتخابات عام ٢٠٢٦، بحيث من المفترض أن تصبح تجربتهم أكثر نضوجاً، والتنسيق بين الفصائل الشبابية في المجتمع المدني أكثر رسوخاً، والأكثرية الساحقة من اللبنانيين أكثر نفوراً من المنظومة الفاسدة.
موازين القوى الحالية ليس لمصلحة تيارات التغيير والإصلاح، والكفة تميل إلى جانب الطبقة السياسية التي نهبت خيرات البلد، وأوصلت الأوضاع إلى مهاوي الإنهيارات المستمرة في جهنم التي تكوي بنيران العوز والحرمان والفقر المدقع أكثر من ثمانين بالمئة من اللبنانيين.
هذا الكلام لا يعني إشاعة المزيد من أجواء الإحباط والضياع، بقدر ما يهدف إلى إعتماد الواقعية السياسية في الحسابات الإنتخابية، وتجنب الوقوع في لعبة الأرقام الوهمية، و«بناء القصور في إسبانيا»، وكأن الإنتصار على هذا الواقع المرير سهل وبمتناول اليد، وأشبه «بشربة ماء»!
وإذا كانت السلطة المفلسة تتخبط في معالجاتها القاصرة لمسلسل الأزمات التي تتوالى على لبنان، فإن المفارقة المحزنة أن قوى التغيير وفصائل ثورة ١٧ تشرين لا تملك حتى الآن برنامجاً واضحاً للإنقاذ والإصلاح، وإخراج البلد من دوامة الإنهيار والإفلاس، الأمر الذي قد يتم إستداركه في السنوات المقبلة الفاصلة عن إنتخابات ٢٠٢٦.
ولكن يبقى شعار السيادة هو المحور الأساس، والقاسم المشترك بين قوى التغيير، التي تُراهن على إستعادة الدولة من «الدويلة»، وعلى حصر السلاح بيد الشرعية، وإبقاء قرار الحرب والسلم بيد السلطة السياسية. مع كل ما يقتضي ذلك، من تنفيذ سلطة القانون على الجميع، ووضع حد للممارسات التي تُضعف سلطة الدولة، وتشوه هيبتها، مثل ضبط المعابر الحدودية، والسيطرة على حركة المطار والمرفأ، وجباية الرسوم والضرائب وإشتراكات الكهرباء والضمان، من جميع المؤسسات وفي مختلف المناطق، وإعادة الإعتبار لأجهزة الدولة الإدارية والرقابية والأمنية.
********
كل هذا الكلام في وادٍ، والحديث عن إمكانية تأجيل الإنتخابات في واد آخر، وعلى نقيض الأول تماما.ً
ليس من السهل تجاهل تداعيات الحرب الضروس المشتعلة في أوكرانيا على الوضع الإقليمي، لا سيّما على الوضع اللبناني المتهاوي أصلاً، والذي لا يستطيع الصمود أمام الرياح التي قد تحملها عواصف المنطقة.
أولى تداعيات الحرب في بلاد القرم، إعلان موسكو لتأخير التوقيع على الإتفاق النووي الإيراني، وتجميد المفاوضات حوله في فيينا إلى أجل غير مسمى، للحؤول دون وصول النفط الإيراني إلى الأسواق ليحل مكان النفط الروسي.
ثاني التداعيات، ظهرت في التباين الواضح بين الدول العربية المنتجة للنفط والحلفاء الغربيين، وخاصة اميركا، الذين طلبوا زيادة الإنتاج النفطي للضغط على موسكو، فكان الرد العربي الإلتزام بسقف الإنتاج المحدد في قرارات «أوبك +»، وعدم التجاوب مع طلبات الحلفاء التقليديين. فضلاً عن التواصل السياسي والديبلوماسي المستمر بين العواصم النفطية وموسكو.
وثمة حدثان ليسا بعيدين عن تلك التداعيات، الأول تمثل في التعثر المفاجئ لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية اللبنانية مع العدو الإسرائيلي، وإنعكاساته السلبية على الوضع اللبناني برمته. والثاني القصف الإيراني الصاروخي البالستي للقنصلية الأميركية في أربيل، وتجرؤ طهران على الجهر بقيامها بهذا القصف غير المسبوق.
وقد تتوالى التداعيات بأشكال مختلفة في المقبل من الأيام، خاصة بعد ذهاب قوات سورية إلى ميدان الحرب، وفتح أبواب التطوع للمشاركة في المعارك المحتدمة في أوكرانيا.
هذا يعني أن الإنتخابات أصبحت في مهب الحرب الأوكرانية. فهل يجري هذا الإستحقاق الدستوري على إيقاع التداعيات المتدحرجة للحرب الروسية..، أم أن التأجيل يبقى أهون الشرين؟