IMLebanon

الحلول إلى “ما بعد بعد الانتخابات”!

 

 

مع إقفال باب الترشح للانتخابات النيابية المقبلة والدخول في المهلة المحدّدة للانتهاء من تشكيل اللوائح وتسجيلها رسمياً، يتركّز الاهتمام اللبناني الداخلي على هذا الاستحقاق الدستوري، ويستخدم أفرقاء السلطة «العدّة الانتخابية» لتأمين «عودة آمنة» الى الحُكم، فيما هناك تعويل داخلي وعربي وغربي على تغيير تفرزه هذه الانتخابات، مهما كان ضئيلاً، علّه يكسر النمط السائد في الإدارة منذ سنوات، ويعطي أملاً لهذا البلد في النهوض مجدّداً. إذ إنّ جهات عدة تربط الانتخابات بملفات أساسية، تشكلّ أبواب الحلول للخروج من الأزمة، على المستويات الاقتصادية والسياسية الاجتماعية، من إقرار الموازنة العامة وخطة تعافي مالي – اقتصادي، ثمّ إنجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج، الى المبادرة الكويتية والعلاقة مع دول الخليج العربي، وصولاً الى ملف ترسيم الحدود البحرية.

على رغم الإنشغال الدولي بأزمة أوكرانيا، لم تغب الأنظار عن لبنان ولا عن الانتخابات، ويواصل ممثلو الدول الغربية لدى لبنان زياراتهم للمسؤولين وتشديدهم على إجراء الانتخابات. كذلك من ضمن أسباب زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد ابو الغيط للبنان، أمس الأول، حيث التقى الرؤساء الثلاثة، تأكيد إجراء الانتخابات في موعدها، ما يدلّ الى أهمية هذا الاستحقاق واعتباره غربياً وعربياً ضرورياً ومفصلياً. كذلك طرح ابو الغيط عنوانين أساسيين مع المسؤولين:

– الاول، القمة العربية المرتقبة في الجزائر، والمواضيع المطروحة على جدول أعمالها بما فيها عودة سوريا الى الجامعة، واطّلع على رأي المسؤولين حيالها.

– الثاني، موضوع المبادرة الكويتية وطرح تنشيط هذه المبادرة.

 

لم يحمل ابو الغيط معه أي مبادرة عربية جديدة أو اقتراح حلول، وبحسب مصادر مطّلعة، هناك قبول لبناني ببعض بنود هذه المبادرة فيما هناك بنود غير مقبولة. كذلك هناك قبول عربي ببعض أجوبة الدولة اللبنانية. وبالتالي، إنّ ما هو غير مقبول من الجهتين يتطلّب حصول نقاش حوله، ويستدعي مفاوضات، حيث ينخفض الصوت المرتفع من الفريقين، ويتفهمان بعضهما البعض، خصوصاً أنّنا لسنا بعيدين من الدول العربية. وتعتبر هذه المصادر، أنّ هذا الموضوع مرتبط بالحوار السعودي – الإيراني وبوضع سياسي وإقليمي كبير، ممتد دولياً، وهو «عالق الآن بين الكبار».

 

أمّا تنشيط المبادرة الكويتية، فسيكون من حيث المبدأ، وانطلاقاً من موافقة لبنان عليها، من خلال حوار بين الدولة اللبنانية ودول الخليج، لـ»ترسيم حدود الاطمئنان»، وتلعب أكثر من دولة عربية دوراً في هذا الموضوع، ومنها قطر وعمان. وكان بري طلب، خلال مشاركته في أعمال الدورة الثانية والثلاثين لمؤتمر الإتحاد البرلماني العربي في القاهرة، في شباط المنصرم، تبنّي المؤتمر الدعوة الى بدء حوار لبناني مع دول الخليج العربي برعاية الكويت. هذه الدعوة لاقت قبولاً عربياً حتى من البعض في الخليج، بحسب مصادر مطّلعة، تشير الى أنّه ليس المطلوب من لبنان تحقيق أمور معينة فقط، بل مطلوب أمور من غيره أيضاً. وتقول: «على سبيل المثال يصنّفون «حزب الله» إرهابياً، ثمّ لا يريدونه أن يقول كلمة.. وفي النهاية يجب أن يعود كلّ طرف من الجانبين خطوة الى الوراء». لكن هذه المصادر تؤكّد أن «لا شيء قريباً» على هذا المستوى، ومن المرجح أن يؤجّل تفعيل المبادرة الكويتية الى ما بعد الانتخابات، إذ إنّ «الجميع في لبنان ذاهب الى الانتخابات».

 

أمّا على مستوى ملف الترسيم البحري، وعلى رغم تأكيد جهات مسؤولة أنّه منفصل عن أي استحقاق آخر وغير مرتبط لا بانتخابات نيابية ولا رئاسية ولا بـ»ما وراء البحار»، لكن يبدو أنّه كلّما بانت حلحلة على مستوى المفاوضات عادت وتعقّدت الأمور. ولم يلاقِ الطرح الأخير للوسيط الأميركي أموس هوكشتاين في المفاوضات بين لبنان واسرائيل استحساناً لدى المسؤولين، ومن المرجح أن يرفضه لبنان. لكن على رغم ذلك جرى تشكيل لجنة تقنية لدرسه قبل إبلاغ الجانب الأميركي بالجواب اللبناني الرسمي. وتقول جهات معنية: «طرح هوكشتاين الذي عرضه غير صحيح، ولا يجوز ولم نكن نتوقعه، يريدون أن يأخذوا منا حقوقاً وأن يعطونا مقابلها، لكنّنا لا نريد إلّا حقنا وحقنا كاملاً». وبالنسبة الى تشكيل لجنة لدرس هذا الطرح، توضح أنّه «لا يمكننا أن نرفض اقتراح دولة كبرى فوراً ومن دون تبيان أسباب الرفض، لذلك بعد انتهاء اللجنة من درس هذا الاقتراح، نبلغ الى الأميركيين رفضنا له لأسباب محدّدة علمية، ونطلب أن يعيدوا درس إقتراحهم. فلا أسود أو أبيض في العالم الديبلوماسي، بل هناك مفاوضات، وعلينا أن نقنع المفاوضين بوجهة نظرنا».

 

وفي حين أنّ بري رفض تكليف ممثل عنه للمشاركة في هذه اللجنة، تردّ مصادر مطلعة ذلك، لأنّ هذا الملف في يد عون وهو من يفاوض. وبالنسبة الى التضارب في وجهات النظر حول حقوق لبنان والخطوط الحقيقية بين الخط 23 والخط 29، تعتبر هذه المصادر أنّ من «الأفضل ألّا نحدّد أي خط، بل لنتفاوض وقد نأخذ أكثر من ذلك، ولنحدّد حقوقنا انطلاقاً من البر ومن نقطة معروفة، ولنحسم أنّنا لا نقبل بأقل من ذلك، وبعدها يصبح الموضوع تفاوضياً». إنطلاقاً من ذلك لم يجرِ البحث رسمياً بعد في طرح الشركات المشتركة. وتقول المصادر نفسها: «قبل تثبيت الحقوق والترسيم لا ندخل في التفاصيل. لا نشتري سمكاً في البحر. نثبت حقنا أولاً، بعدها يجري البحث في اتفاق بين كونسورتيوم الشركات».

 

وفي حين ما زال باب الاستفادة من النفط والغاز في حقولنا البحرية بعيداً، وقد يكون «ما بعد بعد الانتخابات وما بعد بعد اتفاقات ومفاوضات إقليمية ودولية» بحسب جهات سياسية، يُعوّل على اتفاق مع صندوق النقد الدولي ليكون مدخلاً لبداية النهوض الاقتصادي ولفتح أبواب الدعم الغربية. وفي حين ترى جهات سياسية أنّ هذا الامر مؤجّل إلى ما بعد الانتخابات النيابية، وأنّ لا موازنة ولا خطة تعافي ولا اتفاق قبل هذه الانتخابات، تعتبر جهات مسؤولة أنّ هذا الاتفاق غير مرتبط بالانتخابات، والمفاوضات تسير كما يجب، وهناك طلبات محدّدة ومعروفة من الصندوق يجب أن ننفّذها، كذلك إنّ العمل على إقرار الموازنة وخطة التعافي يجري بإشراف صندوق النقد، فضلاً عن أنّ مسؤولي الصندوق يؤكّدون الإيجابية والجدّية في مسار هذه المفاوضات، وهناك وفد منه سيزور لبنان في اليومين المقبلين لاستكمال هذه المفاوضات.