IMLebanon

«حزب الله» يريد الانتخابات بأي ثمن!

 

 

لم تعد هناك شكوك في النتائج المتوقعة للانتخابات النيابية المنتظرة في 15 أيار. وبالتأكيد، ستكرِّس الغالبية الحالية حضورها لـ4 سنوات مقبلة، ومعها الحكومة المقبلة، في غياب تيار «المستقبل» والرئيس سعد الحريري، وطبعاً رئاسة الجمهورية لـ6 سنوات.

سيكون هذا الانتصار تاريخياً بكل ما في الكلمة مِن معنى، لأسباب عدّة: فهو يأتي بعد «ثورة» 17 تشرين الأول 2019، وعلى رغم كل حملات الاعتراض وشعارات التغيير المدعومة أميركياً وعربياً، وعلى رغم صدور الأحكام عن المحكمة الدولية في ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وعلى رغم انفجار المرفأ والمسار القضائي الذي يشهده.

وفوق كل ذلك، سيكون الانتصار تاريخياً، لأنّ لبنان مقبل في السنوات المقبلة على إعادة رسم خياراته وأسس الشراكة والتوازنات السياسية والطائفية والمذهبية، من خلال مؤتمر تأسيسي أو ما شابه، ولأنّ الشرق الأوسط كله قيد إعادة ترسيم خرائط النفوذ، سياسياً واقتصادياً، ويتأرجح لبنان بين لاعبين كبار دولياً وإقليمياً، ولاسيما بين اللاعبين الإسرائيلي والإيراني.

ففريق السلطة والغالبية النيابية، وعلى رأسه «حزب الله»، بات مرتاحاً جداً إلى مناخات المعركة. وهذا الارتياح يعود إلى عاملين: حسن استعداداته للمعركة، وسوء استعدادات خصومه. أي إنّ هؤلاء الخصوم يساعدونه عملانياً لتحقيق الانتصار عليهم.

وقد بقي «الحزب» ينظر إلى الاستحقاق الانتخابي بعين الشكّ والترقّب طوال الفترة الماضية ليتيقَّن فعلاً من نتائجها. فإذا تبيَّن له أنّها ستشكّل مخاطرة له، كان سيعمد إلى تطييرها. وهناك ذرائع منطقية جداً تسمح بذلك، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، من دون الحاجة إلى الذرائع الأمنية.

وعندما ثبت له أنّ الانتصار مضمون، بات يضغط بقوة لإجراء الانتخابات في موعدها بلا تأخير. فهذه الفرصة ثمينة جداً ليقول لخصومه المحليين والإقليميين والدوليين: باللعبة الديموقراطية السليمة، وعلى رغم كل ضغوطكم، أنا وحلفائي نمثّل غالبية اللبنانيين. كُفّوا عن شعاراتكم الجوفاء.

وبالفعل، ستكون نتائج الانتخابات نكسةً لهولاء الخصوم. وبعدها، لن يُتعِب أحدٌ نفسَه بالتخطيط لمقارعة «الحزب» وحلفائه لسنوات وسنوات. وأساساً، لم يخطِّط هؤلاء لا لـ«ثورة 17 تشرين» ولا لما بعدها ولا للانتخابات، ولو فعلوا لربما كان هناك مجال لتحقيق بعض التقدُّم.

والسبيل الوحيد لمواجهة الغالبية الحالية في الانتخابات كان قيام تحالف سياسي وانتخابي بين كل قوى المعارضة والاعتراض بلا استثناء. ويعني ذلك أن يضمّ كامل قوى «الثورة» والمجتمع المدني والمستقلين والأحزاب التي تقف اليوم في صفّ المعارضة للسلطة.

فالمطلوب تغيير عنوان المواجهة ما دام محكوماً عليها بالفشل المحتوم، وابتكار عنوان سياسي. وهذا الأمر منطقي، لأنّ ما يجمع قوى السلطة هو العنوان السياسي أيضاً، وركيزتُه «حزب الله». وهذا العنوان الذي يُفتَرض بقوى المعارضة أن ترفعه واضح، ويُختصر باستعادة الدولة لدورها كاملاً.

ويُفترض أن يجمع هذا العنوان قوى الثورة والمجتمع المدني والأحزاب والقوى السياسية، كـ«القوات اللبنانية» والكتائب، والقوى السنّية المعارضة التي ينتمي الكثيرون إلى بيئة تيار «المستقبل»، وجنبلاط، وبعض قوى الاعتراض داخل الطائفة الشيعية. لكن هذا التحالف يبدو من رابع المستحيلات. وما يريح «الحزب» وحلفاءه اليوم هو أنّ الخلافات القائمة بين خصومه تفوق بشراستها كل تصوُّر. حتى إنّ العديد من هؤلاء يفضّلون التحالف مع حلفاء «الحزب» على التحالف مع القوى الأخرى في المعارضة!

مثلاً: يفضِّل تيار «المستقبل» (لو خاض الانتخابات) أن يتحالف مع الرئيس نبيه بري لا مع الدكتور سمير جعجع. ويفضّل حزب «الكتائب» أن يغامر بالمقاعد على أن يتحالف مع «القوات». وأما جماعة «الثورة» فيتنافسون على المقاعد شخصانياً في غالب الأحيان، وهم منقسمون: هل يتحالفون مع السياسيين أو لا؟ ومَن هم السياسيون الذين تصدر «الفتوى» بالتحالف معهم؟

في الأيام الأولى لـ«ثورة» 17 تشرين، هرب «الثوار» من البرنامج المشترك والقيادة الموحَّدة. وهذا الهرب كان سبباً أساسياً في التشرذم والهزيمة. واليوم، يفعلون الأمر إياه عشية الانتخابات. وفي الأيام القليلة الباقية قبل إقفال باب اللوائح، 4 نيسان، هناك فرصة ثمينة جداً لإحداث انقلاب في «فلسفة الثورة»، إذا صحّ التعبير.

ولكن، هذا الاحتمال ضعيف إلى حدّ التلاشي. وهو ما يُطَمئِن «حزب الله» وحلفاءه. ولذلك هم يتحمّسون لإجراء الانتخابات بأي ثمنٍ في أيار، ويخطِّطون لقطف ثمارها القريبة والبعيدة. وهناك انسجام قوي في ما بينهم، على رغم ما يبدو للبعض من تباينات أو نزاعات على المواقع والحصص.

السؤال الذي يطرحه البعض هو: هل تسمح الولايات المتحدة والقوى الغربية بأن يمسك «حزب الله» بالسلطة في لبنان، في مرحلةٍ تمدّ فيها إيران أذرعها إلى دول المنطقة، لتصبح أكثر إمساكاً بالحدود مع إسرائيل ومنصّات النفط والغاز المتوسطية وبوابة أوروبا؟

الجواب أولاً: كيف السبيل إلى منع ذلك، إذا أظهر «الحزب» وحلفاؤه أنّهم يمتلكون السلطة ديموقراطياً؟ هل يمكن تحقيق انقلاب عليهم مثلاً؟

وثانياً، مَن قال إنّ إيران ستبقى خارجة عن منظومات التسوية في الشرق الأوسط، عندما تنضج هذه التسويات؟ ففي الخلاصة، ما يهمّ إسرائيل والأميركيين والغربيين والعرب هو تأمين مصالحهم. ولن يهتمّ أحد بالتفاصيل. وسيّان عندهم من هي القوى التي ستنخرط في هذه التسويات. هذه هي المعادلات الباردة التي يفرزها الكمبيوتر. فهل سيتعلَّم الذين يجب أن يتعلّموا؟