نعيد سؤالا سبق وطرحناه مراراً: «في انتخابات او ما في انتخابات؟». والسبب اننا لا نرى حتى الآن جدية في مقاربة هذا الاستحقاق المهم في الحياة السياسية. فتعاطي القوى الاساسية مع عملية الترشيح والاقتراع توحي بأننا امام حفلة تقاسم الجبنة النيابية بأبشع الطرق، لا اكثر ولا اقل.
نبدأ بالقوى الرئيسية:
أولا: لا شك ان غياب الطائفة السنية بشكل شبه كامل، وخصوصاً مع غياب رؤساء الحكومة السابقين كلهم، سيطعن بشرعية وميثاقية هذه الانتخابات، ومهما كانت قيمة المرشحين من هذه الطائفة فإنهم لن يصلوا الى مرتبة تمثيل هذا المكوّن الاساسي في لبنان، تمثيلاً صحيحاً يتساوى مع تمثيل الطوائف الاخرى. وفي احسن الاحوال سيكونون «كمالة عدد» لتركيبة نيابية جديدة يُراد منها رسم المرحلة المقبلة من تاريخ لبنان، بتغيير وجهه العربي.
ثانياً: في المقابل، فإن الحزب العظيم وجدها فرصة سانحة للانقضاض على هذا التمثيل السني، ويبدو من طريقة خوضه الاستحقاق، والتكتيك الجديد المتمثل بترشيح لوائح كثيرة، له ولحلفائه، في كل الدوائر تقريباً، انه يريد اكل البيضة وقشرتها، بحيث يستولي على مقاعد نيابية اضافية من غير طائفته، ويضمها الى الاكثرية المنضوية تحت محور «الممانعة والمقاومة». ولنذكر فقط تصريح قاسم سليماني بعد انتخابات ٢٠١٨ إذ تباهى ان نائب حزب الله في بيروت نال اصواتاً تفضيلية اكثر من النواب السنة.
وبعيداً عن حسابات الارقام فإن ما يهمنا ليس ما ينبثق من الانتخابات من كتل، وإنما الاساس هو كيف يسمح هذه الطرف او ذاك بالاستيلاء على حق طائفة بأكملها، وألا تكفي هيمنة هذا الحزب على الطائفة الشيعية بقوة السلاح والمال، ليأتي ويفرض إرادته على طوائف اخرى؟
ثالثاً: تأكد ان ما قاله سمير جعجع ذات مرة عن تمثيله لأكثرية السنة لم يكن زلة لسان، بل هو مقتنع بذلك، ويعمل على هذا الاساس، متناسياً حقيقة ان الرئيس سعد الحريري منحه أربعة مقاعد نيابية من خلال التصويت السني في الدورة السابقة. والحقيقة فإن لا تفسير واقعياً لثقة جعجع الزائدة، وإنما هي مجرد وهم آخر، تماماً كأوهام كثيرة سابقة بنى عليها، مثل «اتفاق معراب» الذي اراد منه بعض الحصص في «المنظومة»، ولكن امله خاب في النهاية.
وهنا أيضا نسال «الحكيم» اين الحكمة في «السلبطة» على ما ليس لك، وأين الحكمة في الاعتداء على حقوق الآخرين؟
رابعاً: من المؤكد ان التيار العوني يعاني ازمة كبيرة، وهو مرشح لخسارة الكثير من المقاعد النيابية، وهو لا شك بالتأكيد سيحتاج الى دعم استثنائي من الحزب الحليف، ويحتاج أيضا الى مساعدة غير الحلفاء، والانكى من ذلك انه يتصرف من موقع القوة التي يتوهم انها ستمكنه هو ايضا من «مد اليد» الى الصوت السني.
خامساً: في جبل لبنان ثمة معركة مرتقبة في الشوف مثلا بين حلفين يضم الاول جنبلاط – جعجع، والثاني باسيل – وهاب – ارسلان – حزب الله. المحزن ان كل هؤلاء يراهنون على الصوت السني لكسب المعركة، صحيح ان المال السائب يعلم الناس الحرام، ولكن «هذا الحرام» لن يكون لقمة سائغة، وسيرفض اهل الاقليم الأبي ان يكونوا أتباعاً على لوائح الآخرين.
سادساً: سمعنا كثيرا عن المجتمع المدني، وعن مجموعات ثورية انبثقت من انتفاضة ١٧ تشرين، ولكن بمراقبة المشهد الانتخابي اليوم لا نرى سوى رموز مشبوهة وذات تمويل خارجي تطمح للوصول الى البرلمان، وسرعان ما ستلحس كل الشعارات والخطابات عن الاصلاح والتغيير.
في العاصمة ثمة بعض من هؤلاء، وقد اعدوا لائحة في بيروت الثانية، ومعروف انه في هذه الدائرة الثقل الاساس هو سني، وتحاول هذه الجماعات ان تنال نصيبها من التصويت السني مع تعدد اللوائح، ويقال ان عددها سيكون ست او سبع.
هذا المشهد اقل ما يقال فيه انه مقزز ومقرف، ولا يمكن ان ينتج مجلساً نيابياً بصفة تمثيلية صحيحة، لأنّ المكوّن الاساسي للكيان اللبناني، اي السُنّة، ليس موجوداً فيه. ولن يستطيع هذا المجلس التأسيس لأي شيء، وجل ما سيفعله هو ادارة الفراغ والانهيار. ولو حصل بعد الانتخابات وتم تكليف شخصية سنية لتشكيل الحكومة الجديدة فإلى اي جهة سياسية ستنتمي، وهل سيسمح الحزب العظيم وشركاؤه في البرلمان الجديد، مثل جعجع وجنبلاط وغيرهما، لهذا الرئيس المكلف بتشكيل حكومة.. وأي حكومة؟
هذه الانتخابات غير جدية: انها هزلية – مأساوية في آن. ويصح فيها القول إنها انتخابات من دون ناخبين.
وعلى لبنان السلام.