IMLebanon

المنظومةُ والانتخابات: فخّ أو فقاعة أو طوقُ نجاة؟

 

العالم يريد التغيير ولا يدعم مساراته.. باريس مُربكة والرياض تُراقب

 

 

لماذا تحتلّ الانتخابات النيابية أهمية خاصة، ولماذا تَجهد المنظومة لتمييع هذا الاستحقاق؟ ولما يُكثر المجتمع الدولي من التعويل عليها كمدخل لأمور واستحقاقات أخرى؟

 

ببساطة، لأن أي دعم دوليّ للبنان، استراتيجي وقادر على وضع البلد على سكّة التعافي فالنهوض ولو البطيء، مرهون بأمور عدّة تأتي الانتخابات النيابية ثم الرئاسية في مقدمها، ثم حكومة موثوقة مع برنامج إصلاحي والتعهّد بالالتزام به بشفافية وإشراف دولي، هذا ما تُراهن عليه قوى كبرى وشرائح في الداخل. أما أيّ دعم آني وعاجل فسقفه المساعدات الإنسانية والإغاثية والصحيّة من خلال المجتمع المدني، كما هو حاصل منذ العام 2019 على قاعدة أن لا ثقة لدى المجتمع الدولي والجهات المانحة بالمنظومة التي تدير مؤسسات الدولة، وهذا النوع من المساعدات لا يساعد على التعافي من الأزمة بمقدار ما يبلسم بعض تداعياتها ويُبقي الشعب على قيد الحياة، بعدما بالغت المنظومة في خنقه ونهبه والتضييق عليه منذ خروج الناس في 17 تشرين لتعرية إجرام المنظومة وفجورها وفسادها.

 

للدعم الحقيقي الذي يُعوّل عليه لإخراج لبنان من حضيضه، عنوان واحد هو الرياض، وليس أي مكان آخر، وطالما لم تفتح السعودية أبوابها فصعبٌ أن يتغير شيء، وما تريده المملكة معروف وواضح

 

التأجيل أو التدجين

 

وبالرغم من تأكيد «مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان»، التي تضم كلاً من الأمم المتحدة والصين وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، التي رحّبت بتشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، على «ضرورة التحضير لانتخابات نزيهة وشفافة في موعدها في العام 2022 والشروع في الإصلاحات اللازمة لاستعادة الثقة ولتحقيق العدالة والاستقرار والازدهار للشعب اللبناني ولتمهيد الطريق لتعزيز الدعم الدولي»، فإن سؤالاً مركزياً يحضر بقوة: هل ستسمح المنظومة المتحكّمة، بالبلد وبقرار الحكومة، بتأمين ظروف إنجاز هذا الاستحقاق، وهي تدرك – وفق ذهنيتها المناهضة لمفهوم الدولة – أن المقصود من الانتخابات إطلاق مسار ديموقراطي يهدف إلى إخراجها من المشهد العام وتحرير لبنان من فسادها وفشلها، بعدما باءت كل محاولات دفعها لتبني خيارات الإصلاح ومحاربة الفساد بالفشل؟ أغلب الظن، لا، لن تسمح بذلك، وهي تملك من الأدوات والحيل والأكاذيب والمخارج والإجرام من يمكّنها من فعل ذلك. فالانتخابات، والحال هذه، ستراوح بين خيارين:

 

إما التأجيل (ومن السهل إجتراح الأسباب أو إيجادها)، أو أن يجري الاستحقاق وفق قانون وحيثيات تناسب حسابات الطبقة السياسية لتعيد إنتاج نفسها وفق «شرعيّة التغلّب»، والقول للعالم بأنها «سلطة منتخبة شعبياً وتمارس صلاحياتها بناء على أسس دستورية وشرعية». ويشمل هذا السيناريو تكرار تجربة العام 2018 التي جرت وفق قانون مسخ صُمّم لإنجاح فاشل محدد، وتندرج فيه مساعي مغمغة انتخاب المغتربين، ولاحقا معوقات أخرى تجود بها مُخيلة مهندسي المنظومة إلى حين الوصول إلى ربيع العام 2022.

 

فرنسا ماكرون والضياع اللبناني

 

وبعيداً عن ثنائية التأييد أو المعارضة، يتردد أن فرنسا – ماكرون، الغارقة في أزمات ومعارك اقتصادية مع أكثر من طرف، اشترطت على الرئيس ميقاتي خلال زيارته لباريس إجراء انتخابات نيابية برقابة دوليّة وتحقيق جدّي في تفجير المرفأ، لكن هذه الاشتراطات تبدو لأسباب كثيرة غير منطقيّة؛ فالحكومة الحالية إنما تشكّلت بفعل اتفاق فرنسي – إيراني، وأطرافها المهيمنة إما تعرقل العدالة وتهدد القضاء، أو تريد انتخابات وفق حساباتها! أما الحديث عن المساعدات فلا يستقيم في غياب الدول التي تساعد لبنان تاريخياً وبشكل فعلي وجدّي وليس بشكل فلكلوري وشعبوي وضارّ؟!

 

لُبّ المسألة، أن على المجتمع الدولي المهتم بإخراج لبنان من أزمته الوجودية لا السياسية والمالية فحسب، أن يدرك أن المطالبة بـ «إجراء الانتخابات» و«في موعدها» حصراً، لا يكفي، بل قد تصيب هذه الخطوة كل طموحات ومطالب التغيير في مقتل عندما يضطر إلى التعامل مع المنظومة الفاسدة ذاتها لاحقاً لأنها «منتخبة شعبياً وديموقراطياً»!! ففي لبنان، وتأسيساً على تجارب التاريخ، البعيد والقريب، المطلوب إلى جانب احترام مواعيد الاستحقاق قانون شفّاف وعادل وعصري يؤمّن المساواة بين المرشحين، والحرية للناخبين، وأن تكون الانتخابات خارج هيمنة السلاح والمليشيات، والمال والفساد، وضغوطات الدولة العميقة، وخارج تأثيرات المال والدعاية غير المتكافئة، ووفق إشراف ورقابة دوليّة حقيقيّة لا شكليّة… ولا تنتهي هذا الإشكاليات بأن قوى التغيير غير جاهزة، فضلاً عن أنها لم تتفق على رؤية موحدة لخوض الاستحقاق بفعل أشياء كثيرة وغير مبررة طبعاً.. باختصار على المجتمع الدولي عدم الثقة بأي التزام أو خطوة تقوم بها سلطةٌ تمتهنُ، باحترافٍ شديد، الكذب والتزوير والفساد وتفريغ القوانين وتسخيف الاستحقاقات.. وهنا يستقيم القول «كلن يعني كلن».

 

وعليه فإن المدخل لإنقاذ لبنان في حال أراد المجتمع الدولي دعم هذا المسار، يبدأ بالضغط لتأمين ظروف إعادة تكوين السلطة على أسس شفافة ومتساوية وخارج الترهيب والابتزاز، كمدخل للتغيير الشرعي والديموقراطي في السلطات والمؤسسات الدستورية كلها، والأهم أن الضغط باتجاه إنجاز خطوة في هذا البناء من شأنه تسهيل إنجاز بقية الخطوات.

 

الرياض وبوابة الحل

 

في غضون ذلك، قد تكثر الزيارات، والتصريحات، والعَرَاضَات والصهاريخ.. لكن دَع عنك كلّ ذلك، ذروة المسألة أن للدعم الحقيقي والمؤثّر والذي يعوّل عليه وبإمكانه إخراج لبنان من حضيضه، عنوان واحد هو الرياض، وليس أي مكان آخر، وطالما لم تفتح المملكة العربية السعودية أبوابها فصعبٌ أن يتغير شيء، وما تريده المملكة معروف وواضح، أن يتصرف لبنان كدولة، عربية، ذات سيادة، تحترم الدستور والمؤسسات والمصالح والواجبات والالتزامات، وأن لا تكون مصدراً لتصدير الممنوعات والإرهاب والمليشيات، وأن لا تكون رهينة بيد أعداء بلاد الأرز وأعداء العرب والعالم… وغير ذلك عبثاً يحاولون.

 

المملكة العربية السعودية الممتلئة هذه الأيام فخراً باحتفالات عيدها الوطني الـ 91، والمنشغلة عن شوارد أشياءَ كثيرة بما فيها استقبال وزير الدفاع الأميركي الآتي للابتزاز، لا تمرر التذاكي، ولا تستسيغ الغدر.. واللبيبُ من التكرار وتجارب التاريخ والحاضر يفهم.

 

الانتخابات مهمة وضرورية

 

على العالمين العربي والدولي الثقة بأنه عن طريق صناديق الاقتراع يمكن التخلص من شعبويات العهد النحس، ونرجسيات التسلّط والهيمنة، وفساد المنظومة الفاجرة، وجشع الكارتيلات التابعة لها، والانطلاق نحو حلّ مشكلات السلاح والعزلة والأزمة الاقتصادية والإفقار والإذلال والفوضى التي تسبّب بها هؤلاء، والأهم إعطاء أمل للشباب اللبناني اليائس. وعلى قوى التغيير الإسراع لا التسرّع بالتعامل مع الاستحقاق الانتخابي بجديّة، ووفق كل الاحتمالات، وكل المندرجات، من شكل القانون، إلى المرشحين، إلى اللواح، إلى استنهاض الشارع والاغتراب وتحضير البرنامج.

 

وإلى حين توضّح الصورة، سيستمر مسلسل الانهيار؛ وسيستمر أيضاً مسلسل ادّعاء الانتصارات، وبيع الأوهام، ونشر الأضاليل، فالعدالة مهدّدة، والميليشيا متحكّمة، والدستور وجهة نظر، والبلد في حالة تقسيم غير معلن، والأمل والثقة إلى جانب الودائع والخدمات والتعليم كلها مفقودة، وفي المأثور «مارتا مارتا تطلبين أشياء كثيرة والمطلوب شيء واحد» يعرفه العالم كلّه، ولا يريد خاطفو لبنان رؤيته!