Site icon IMLebanon

الإنتخابات وحقوق المسيحيين

تجري الإنتخابات أو لا تجري، يأبى تومـا إلاّ أنْ يضـع إصبعَـهُ في الجرح.

 

لـمْ نصدّق هذا التهريج السياسي، والضجيج الرئاسي والحكومي والنيابي حـول الجـزْم بإجراء الإنتخابات، فليس مهمـاً أنْ يُقال: المهمّ مَـنْ الذي يقول.

قالها السيد وهو يعلن أسماء مرشّحي حـزب اللـه: «البلد ذاهبٌ إلى الإنتخابات».. إذا قال الأميرُ فصدِّقوهُ.

ولكن، يُـخشى أنْ تجري الإنتخابات وكأنّها لا تجري بفضل هذا القانون الإنتخابي الذي يكرّس تحنيطَ الأصنام السياسية كمثل تنصيب الملوك بموجب الحـقّ الإلهي.

قانـونٌ يؤمِّـن تنصيب ملوك الطوائف: فلا عدالة ولا مساواة ولا معاييـر متساوية، فإذا القضاء دائرة، والقضاءان دائرة، ودائرة أربعة أقضية، ودائرة ثلاثة أقضية مع محافظة، ودائرة محافظة واحدة.

مرشحٌ يفـوز بـ (450) ألف صوت (النبطية).

ومرشحٌ يفـوز بـ (539) صوتاً (بيروت الأولى).

وهناك الصوت التفضيلي الذي يكون غالباً من حصّـة زعيم اللاّئحة، وزعيم اللائحة المذهبي.

القانون المشوّه يُنتـجُ طبقةً سياسية مشوّهة، تشـوّهُ وجـه لبنان الحضاري والديمقراطي والسياسي والتاريخي، وتجعل لبنان خارج تطـوّر التاريخ.

 

السذاجةُ المسيحية حرَّكتْ مشاعر الإبتهاج بهذا القانون على أنّـه يؤمّـن حقوق المسيحيين، كمَنْ يطبخ السمّ ويأكلُه، إذْ كيف تكسب مقعداً وتخسر وطنـاً.

حقوق المسيحيين لا تتأمّـن بإضافة بعض النواب إلى بعض الأحزاب، بـلْ بإضافة بعض العقل وبعض الحكمة وبعض التوافق وبعض التسامح وبعض التصالح.. والكـفّ عن الحروب العنيفة الباردة، بعد الحروب العنيفة الساخنة.. عندما دعـا بشارة الخوري إلى تجريد إميل إدّه من جنسيّته اللبنانية بتهمـة خـرق الدستور سنة 1943 عارض ذلك الشيخ بيار الجميل بالرغم مما كان من خلاف بينهما وأرسل بعض الكتائبيين لحراسة منزل إميل إده في «الصنائع» لمنع المضايقات التي كانت تُمارسُ عليه (1).

 

الحـقّ المسيحي ضاع نتيجة الإنقسامات الضارية، وأنانية الحـق الشخصي وبريق الكرسي الزائف، بالإذن من الرئيس ميشال عـون الذي قال خلال زيارته الفاتيكان الأحـد الفائت «بأنّ المسيحية في لبنان ليست في خطـر» مع أنـّه كان يـرى المسيحية في رومـا من فوق ، وليس في لبنان من تحت؟

الحـق المسيحي يتأمّن من خلال الحـق الوطني المطلق حتى لا يتعارض مع حقوق الآخرين، فيصبح لكلّ مذهبٍ حـقّ، ولكلّ حـقٍّ زعيم، ولكلّ زعيم دولة، وكأنّـما نخلق حربـاً مذهبية جديدة إسمها حـرب الحقوق.

عندما يقول المسيح: الحـقَّ الحـقَّ أقـول لكم وكـرّر كلمة الحـقّ مرتين، فهذا لا يعني أنّ الحـقّ حقّـان، إنـه ناموس إلهي إذا انشطر لا يعطي حقَّيـنِ صغيرين بـل ضلالين كبيرين.

وهكذا الحـقُّ في القرآن هو اللـه..»فذلِكُمُ اللـهُ ربُّـكم الحـقُّ فماذا بعدَ الحـقِّ إلاّ الضلال»(2).. «لو اتَّـبعَ الحـقُ أهـواءهَم لفسدتِ السماواتُ والأرض(3)».

أما بعد، فقد قرأتُ أسماء الذين تقدّموا بترشّحهم إلى الإنتخابات، وكنت أودّ أنْ يقـع نظري على رائـد قائد، على شخصية قومية، على قامـةٍ إنقاذية، تشدّني حرارةُ الشغـفِ إلى انتخابه، اللّهم إلاَّ الذين يقترعون «بالروح بالـدم»، ويتعبّدون للإصنام التي صنعوها.

 

حقوق المسيحيين والمسلمين تتأمّـن بإعادة انتخاب لبنان وطنـاً أحـداً ضابطَ الكلّ ولا شريـك لـه، مثلما تتأمّـن باحترام حـق الإنسان في وطـن الإنسان، عربيّـاً كان أو أعجميّاً، أبيضَ أو أسود، مؤمناً أو ملحداً، عملاً بقول الشاعر:
إنْ كنتَ محترماً حقـيّ فأنتَ أخي آمنتَ باللّـهِ أمْ آمنتَ بالحجـرِ؟

-1 نقولا ناصيف – ريمون إده – ص : 481 – 482.
-2 سورة يونس القرآنية (32).
-3 المؤمنون: (71).