يبقى الشغل الشاغل للقوى السياسية الكبرى إجراء حسابات دقيقة تتعلّق بالأكثرية والأقلية وإذا ما ستبقى في يدّ «حزب الله»، أو أن الإنتخابات ستشكٍل مدخلاً مهماً للتغيير.
بعد انتهاء إنتخابات 2018 خرج المسؤولون الإيرانيون يتفاخرون بأنّ الأغلبية النيابية في لبنان باتت موالية لهم، وبالتالي فإن البلد يدفع حالياً ثمن سقوطه في محور «الممانعة».
لا شكّ أن الناخب اللبناني يتحمّل مسؤولية كبرى في إنتاج الأغلبية، لذلك فإن الأنظار تتوجّه إلى انتخابات 2022 من أجل الإنقلاب على نتائج 2018 لأن البقاء على تلك النتيجة سيكون كارثياً على البلد.
ومن جهة ثانية، فإن إحدى أهم الأذرع الداخلية التي فرض من خلالها «حزب الله» إيقاعه على السلطة هي الذراع المسيحية حيث سلّم «التيار الوطني الحرّ» القرار الإستراتيجي للدولة إلى «الحزب» مقابل حصوله على السلطة والمكاسب الداخلية.
لكن ما بات واضحاً أن «حزب الله» الذي يعيش نعيم عهد الرئيس ميشال عون الذي ذهب إلى الفاتيكان ليدافع عن سلاحه، يعلم جيداً ان التيار العوني سيتراجع مسيحياً وفي أحسن أحواله سيكون تراجعه 10 نواب وربما أكثر بكثير.
من هنا، لن يقبل «الحزب» أن يخسر أكثريته نتيجة تراجع حجم «التيار الوطني الحرّ»، لذلك يتطلّع إلى قضم بعض النواب الدروز والسنّة ليعوّض ما فقده مسيحياً.
وفي السياق، فإن «الحزب» يضع نُصب عينيه المقعد الدرزي في حاصبيا والذي سيذهب إلى الوزير السابق مروان خير الدين، وبما أن الحزب «التقدمي الإشتراكي» يترك دائماً أحد مقعدي عاليه للنائب طلال إرسلان، فإن «حزب الله» يعمل من أجل خرق أحد مقاعد الشوف الدرزية عبر رئيس حزب «التوحيد العربي» وئام وهاب، كذلك فإنه يحاول كسب مقعد بيروت الدرزي الذي كان من حصة «الإشتراكي»، وبالتالي فإن «الحزب» ينوي السيطرة على 4 مقاعد درزية بعدما كان في جيبه مقعدان هما لإرسلان والنائب أنور الخليل الذي كان في كتلة «التنمية والتحرير» برضى النائب السابق وليد جنبلاط.
هذا بالنسبة إلى الساحة الدرزية، أما سنّياً، فان «حزب الله» يحاول قضم أكبر عدد من المقاعد السنّية مستفيداً من «اعتكاف» الرئيس سعد الحريري و»انجراف» ما تبقّى من ماكينة تيار «المستقبل» مع طموحات «حزب الله» عن قصد أو عن غير قصد.
ويتمّ العمل سنياً على تطويق أي حركة إعتراضية داخل الشارع السنّي لمواجهة «حزب الله»، فمن جهة هناك عدم ارتياح من «الحزب» لحراك رجل الأعمال بهاء الحريري، ومن جهة ثانية هناك مواجهة بعض رموز «المستقبل» لحراك الرئيس فؤاد السنيورة.
ولا يبدو أن بهاء الحريري أو السنيورة أو الوزير السابق اللواء أشرف ريفي وبعض الشخصيات السنّية سيتأثرون بما يفعله بعض القريبين من الحريري ومن «حزب الله» على حدّ سواء، فالمعلومات تؤكد أن بهاء الحريري مستمرّ بالمعركة في مواجهة «الحزب» وأدواته والسلطة الفاسدة، وخوضه المعركة ليس فقط عبر ترشيحات أو وصول نواب قريبين منه إلى الندوة البرلمانية، بل من خلال دعم كل من هو قادر على المواجهة سواء كان سنّياً أو من أي طائفة أخرى، والهدف ليس تجميع نواب أو ترؤس كتلة، بل مواجهة نفوذ كل من يريد وضع يده على البلد، وبالتالي فان كل الأخبار عن أنه سيبتعد عن الساحة السياسية ليست سوى شائعات، وسيتم الإعلان عن الخطوات اللاحقة في المرحلة المقبلة.
وبالنسبة إلى السنيورة، فإنه ماضٍ في حراكه وينسّق مع القوى السيادية وهو لولب الحركة في العاصمة وطرابلس والمناطق ذات الغالبية السنّية ويضع اللمسات الأخيرة على اللوائح التي يرعاها، في حين أن الشخصيات السنّية المناهضة لـ»حزب الله» وعلى رأسها ريفي ستعلن لوائحها قريباً، وبالتالي فإن عقارب المواجهة لن تعود إلى الوراء، ومشروع مواجهة نفوذ إيران يسير بغضّ النظر عن الطموحات الشخصية للبعض.
لا شك أن المسؤولية التي تُلقى على بهاء الحريري والسنيورة وريفي كبيرة جداً، إذ أن نجاح «حزب الله» في تحقيق خرق كبير في الساحة السنّية يعني استكمال سيطرته على المؤسسات الدستورية والاغلبية، وبالتالي سيعوّض سنّياً ما خسره مسيحياً خصوصاً وأن جنبلاط يحاول مواجهة قضم مقاعده الدرزية.