Site icon IMLebanon

الانتخابات هي الفرصة الأخيرة

 

تزامناً مع طلب الردّ من النائب نهاد المشنوق والوزير يوسف فنيانوس والوزير علي حسن خليل الذي جمّد التحقيق في انفجار المرفأ، باتت الدّولة اللبنانيّة في حالة قصور قضائي أمام هول الاعتداء السافر الذي مارسه “حزب الله” عبر مسؤول الأمن فيه بتهديده المباشر للقاضي البيطار. وسجّلت الدّولة اللبنانيّة خطوة إضافيّة في مسار انهيارها الذي بدأ بالسيادة والأمن والإقتصاد، واليوم استُكمِل بالقضاء. فهل انتهى لبنان الذي نعرفه، وبتنا أمام دولة جديدة لم تعلن بعد؟ أمّ أنّ الفرصة ما زالت أمام اللبنانيّين ليقولوا كلمتهم علّهم يسترجعون ما تبقّى من دولتهم لإعادة بنائها؟

 

الملفت في ما يحدث في لبنان اليوم أنّ مسار الإنحدار الذي انتهجته منظّمة “حزب الله” لإسقاط الدّولة مستمرّ بالتوازي مع مسار استعادة الدّولة ونهضتها. هذا المسار الذي يقوده الرئيس نجيب ميقاتي بعد عودته من فرنسا الذي يبدو أنّه لن يكتب له النجاح، لأنّه لا وجود للدولة التي يعمل في إطارها كرئيس حكومة سوى على الورق. فالمنظّمة ممعنة في هدم آخر مداميكها، أي القضاء، بغضّ النّظر عن نتيجة طلب الردّ المرتقبة من محكمة الاستئناف التي يترأسها القاضي نسيب إيليّا. مع العلم أنّه ليس مقيّداً بوقت محدّد، وهو مجبر على ذكر السبب، وقد تأخذ المسألة شهوراً. مَن يعلم؟

 

وكلّ تأخير في البتّ بنتائج التحقيق يسمح للمرتكب أيّاً كان، بالاعتداء على مسار التحقيق من خلال فبركة شهود زور في الملفّ مثلاً، لإضاعة عمل المحقّق العدلي. هذا بعد فشل العريضة التي أعدّت لإحالة الدّعوى على محكمة الرؤساء والنواب والوزراء غير المنشأة والموجودة في الحياة القضائيّة حتّى الساعة. فضلاً عن المدّعين على البيطار أمام محكمتي الجزاء والتنفيذ.

 

وحدها القوات اللبنانيّة وضعت نفسها بالتصرف، وطالبت بلجنة تحقيق دولية، ودعت إلى رفع الحصانات كلّها من دون قيد أو شرط. وذلك ليس انتقاصاً من هيبة الدّولة، أو اعتداءً على سيادتها، كما حاول فريق المنظومة والمنظّمة الإيحاء بذلك؛ في حين هما يمعنان في كلّ لحظة بالاعتداء السيادي إن من البوّابة العسكريّة، في العراضات التي لا تنفكّ أحزابهما عن إجرائها في الشوارع العامّة، وإن من البوّابة الاقتصاديّة النفطيّة بإدخال صهاريج المازوت الانتخابي عنوة عن الدّولة، وعلى مرأى من عينيها، وعلى الرغم من أنفها، ومن دون أن تنبسَ ببنتِ شفةٍ. لقد جاءت المطالبة بلجنة دوليّة للتحقيق إدراكاً من القوّات بنوايا هذه السلطة، كيف لا وهي امتحنتها في زمن مضى بسيّدة النجاة وما زالت تمتحنها حتّى اليوم.

 

لقد باتت المنظّمة على قاب قوسين من إعلان دولتها الجديدة في لبنان، وإن لم تعلن ذلك، فهي تمارسها بالتقيّة السياسيّة، والحنكة الاجتماعيّة احتيالاً على ضعفاء النفوس وصغار العقول الذين يدفعون من جيوبهم ثمن مازوتها الأحمر، ويتبجّحون على شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي بشكر هذه المنظّمة؛ والمؤسف هو كون بعضهم مثالاً دينيّاً أو اقتصاديّاً في مجتمعاتهم. هذه المجتمعات التي قدّمت رهباناً شهداء، وبعضهم أسرى في سجون الاحتلال السوري ومخطوفين لم يعرف مصيرهم بعد؛ ورجال أعمال من هذه المجتمعات عرفوا بدعمهم للمقاومة اللبنانيّة يوم كانت زحلة مثلاً تُدَكُّ بقذائف الأسد، ودبّاباته تهدم جسورها وأبنيتها ومعاقل أسودها.

 

وإن استمرّ الشعب اللبناني بذمّيّته هذه وخنوعه أمام المنظّمة سرعان ما ستعلن ما لم تعلنه بعد انتخابات 2018 التي توّجت بوضع العاصمة تحت سيطرتها. فهي تأمل إعلان سيطرتها على لبنان الدّولة ككلّ بعد انتخابات 2022 إن استطاعت ضمان ذلك لإجرائها. ماذا وإلا قد تعمد إلى شتّى الوسائل لإفشالها وعدم إجرائها. ولقد بدأنا نرى بالونات حراريّة حول ذلك، لا سيّما في موضوع انتخابات المغتربين، وما يدور حولها من غموض حتّى الساعة. فإن لم يتوقّف العمل بالمادّة 112 من القانون التي تعطي المغترب حقّ انتخاب ستّة نوّاب فقط، ويُعْمَلُ بالقانون الذي تمّت على أساسه انتخابات 2018، أي إعطاء المغتربين حقّ انتخاب 128 نائباً كلّ بحسب دائرته المسجّل بها في لبنان. فستشكّل هذه المسألة ذريعة خلافيّة حول موضوع الانتخابات برمّته.

 

لذلك كلّه، الفرصة اليوم يتيمة أمام اللبنانيّين كلّهم ليُبْطِلوا قدرة هذه المنظّمة على السيطرة قانوناً ودستوراً على آخر معقل من معاقل الدّولة اللبنانيّة، وذلك بالتواطؤ مع اليوضاسيّين الذين قبضوا الثلاثين من الفضّة من المنظّمة على مذبح القديس ميخائيل في الشياح. هذه الفرصة إن لم تترجم اليوم بثورة سياديّة – اجتماعيّة – إصلاحيّة في الشارع، يجب أن تترجم بثورة انتخابيّة في المشاركة الكثيفة بالانتخابات القادمة من لبنان المقيم ولبنان المنتشر، لا سيّما من لبنان المنتشر حيث مساحة الحريّة متاحة أكثر للصوت الانتخابي، بعد تنامي الحديث عن عدم الاكتراث إلى إنشاء الـ MEGA CENTER في لبنان، بحسب ما نصّ عليه القانون الحالي للإنتخابات.

 

هذه خريطة الطريق الوحيدة للإنقاذ من البوّابة الديموقراطيّة المؤسّساتيّة. ومَن يضمن إن لم تنفّذ هذه الخرنطة ألّا ينزلق العباد والبلاد إلى خرائط قد تستحدثها الظروف الراهنة لتفرض أمراً واقعاً مقاومتيّاً جديداً أمام عدم تكافؤ الفرص بين مَن ينتخب بقوّة السلاح ومَن ينتخب بقوّة القانون، لا سيّما مع ولادة جبهة معارضة اليوم من بيت الأحرار، ستعيد إلى الأذهان حتماً ولادة الجبهة اللبنانيّة. فهل يتّعظ أهل البيت، مسلّحو اليوم، من تجارب جيراننا مسلّحي الأمس؟