توضع اللمسات الأخيرة على اللوائح بعدما باتت التحالفات شبه واضحة، ويبقى 4 نيسان الموعد الرسمي للإنتهاء من تركيب اللوائح.
لا شكّ أن لكل دائرة معركتها الخاصة، لكن في الإجمال فإن الصراع على الأصوات يبقى الأشدّ في الدوائر ذات الغالبية المسيحية، لذلك يسعى كل مكوّن إلى إظهار حضوره لأنه يعلم أن هذه المرحلة هي تأسيسية في بداية المئوية الثانية للبنان الكبير.
وبعيداً عن لعبة الأسماء والصراع على الحصص، يبقى للسريان دورهم في الحياة الوطنية والمسيحية على رغم أنهم خارج دائرة الأضواء.
وفي السياق، فإن الرئيس الراحل كميل شمعون شكّل الحاضنة الطبيعية للسريان الذين كانوا إلى جانبه منذ عهد رئاسته المزدهر وانتقاله إلى المعارضة ومن ثمّ في أيام الحرب الأهلية، في حين أن دور هذه الطائفة كان كبيراً جداً أثناء المقاومة في الأشرفية وزحلة والمناطق المحرّرة وشكّلت أحد أهم الأعمدة لأحزاب «الجبهة اللبنانية» من «أحرار» و»كتائب» وصولاً إلى «القوات اللبنانية» لاحقاً.
ربما هناك عتب من السريان على الموارنة لأنهم لم ينصفوهم، ويتعرّض السريان للتهجير الطوعي الذي يلاحق المسيحيين وكل اللبنانيين، ولا بدّ من ذكر أن الحضور السرياني الأقوى في لبنان كان بعد وقوع مجازر «سيفو» خلال الحرب العالمية الأولى، وقد تمركزوا بشكل أساسي في بيروت والمتن وزحلة، وعدا عن الحضور المقاوم فإن السريان قدّموا نخباً ثقافية وإعلامية وفي مجال الأعمال وكانوا دائماً سياديين ولا يبحثون عن مراكز.
وأمام كل هذه الوقائع، فإن اتجاه السريان في لبنان هو سيادي بامتياز كما تؤكّد مرجعياتهم، ويظهر ذلك من نتائج الإنتخابات النيابية بعد انسحاب جيش الإحتلال السوري، إذ إن غالبية أصواتهم كانت تصبّ لمصلحة حزبَي «القوات» و»الكتائب» وشخصيات 14 آذار.
وإذا كان التاريخ ظلمهم، إلا أن إقرار قانون الإنتخاب الأخير ونقل مقعد الأقلّيات إلى بيروت الأولى أنصفهم، وللتذكير فإن أي مسيحي من خارج مذاهب الموارنة والروم الأرثوذكس والكاثوليك والأرمن والإنجيليين يستطيع الترشّح إليه، لكن بحكم لعبة العدد، فإن السريان هم القوة الناخبة الأكبر في الأقلّيات، وبالتالي فإن المرشح الأوفر حظاً للتواجد على أي لائحة في بيروت الأولى يكون من السريان.
ويشكّل السباق الإنتخابي في الـ2022 مناسبة لطرح هواجس السريان ومخاوفهم، والتي لا تختلف كثيراً عن مخاوف بقية المسيحيين واللبنانيين، في حين أن التنافس الأكبر على الأصوات سيكون في دائرة الأشرفية – الصيفي – الرميل – المدوّر، والتي قد يفوز أي مرشّح من الأقلّيات ببضع مئات من الأصوات، خصوصاً وأن أصوات «القوات» ستصبّ لمصلحة المرشح غسان حاصباني الأرثوذكسي، و»التيار» على المرشح نقولا الصحناوي الكاثوليكي، ونديم الجميل لديه حالته ودعم «الكتائب» للفوز بالمقعد الماروني، في حين ستصبّ أصوات أنطون الصحناوي على مرشح الأرمن الكاثوليك جان طالوزيان، بينما يتنافس كل من «الطاشناق» والمرشح جهاد بقرادوني والنائبة المستقيلة بولا يعقوبيان على مقاعد الأرمن الأرثوذكس، وبالتالي فإن مقعد الأقلّيات خارج دائرة المنافسة الفعلية.
ومن المتوقّع أن ينتخب في هذه الدورة أكثر من 2000 ناخب سرياني قد يشكّلون الفرق ويميلون الدفّة ويحسمون أحد المقاعد لأن الحاصل الإنتخابي في بيروت الأولى متدنٍّ جداً، وهو نحو 5000 آلاف صوت.
ويبدو أن الصوت السرياني سينقسم بنسبته الأكبر بين لائحة تحالف رجل الأعمال أنطون الصحناوي ونديم الجميل ولائحة «القوات اللبنانية»، في حين أن هناك نسبة ليست بكبيرة ستنقسم على بقية اللوائح، وبالتالي فإن التصويت السرياني سيكون سيادياً تماشياً مع تاريخهم الذي كان إلى جانب الرئيس الشهيد بشير الجميل أثناء صعود نجمه وقاوموا إلى جانبه ضد المحتلين.
أما الصورة في المتن فلن تختلف كثيراً عن بيروت الأولى، حيث أن الوجود السرياني أيضاً مؤثّر، وغالبية أصواتهم ستنقسم بين «الكتائب» و»القوات»، ونسبة قليلة ستصوّت للوائح السلطة وحلفاء «حزب الله»، ويجهد «التيار الوطني الحرّ» من أجل الحصول على الصوت السرياني في المتن والذي هو بأمسّ الحاجة إليه، على رغم نكسه بوعوده الدائمة لرئيس «الرابطة السريانية» حبيب افرام.
أما الدائرة الثالثة التي يوجد فيها حضور سرياني فاعل فهي زحلة، وقد يتخطى عدد المقترعين السريان الـ1500 صوت، وبما أنّ الجو المسيحي الزحلاوي مناهض لـ»حزب الله»، فإن معظمهم سيصبّون للّوائح السيادية.
قد تلعب الخدمات دوراً في تصويت البعض، لكن الخطاب السياسي هو الأهم بالنسبة إلى الناخب السرياني والمسيحي واللبناني، لذلك فإن عنوان المعركة يبقى أهم من إغداق الخدمات واستعمال عنصر المال، فالسرياني الذي وقف وواجه الوجود المسلح الفلسطيني والسوري لن يكون بعيداً عن معركة تحرير لبنان من الإحتلال الإيراني… و»لآخر نفس».