كما في الحرب والسلم، كذلك في الانتخابات التي يفترض أن تفرز نظرياً أكثرية وأقلية. قرار الحرب والسلم ينسحب على الانتخابات النيابية؛ وإجراؤها في موعدها أو تأجيلها أو نسفها بيد «حزب الله» الذي يجمع أوراقه منتظراً البشرى من فيينا، على طريق التحضير لإرساء وصاية إيرانية مدسترة ومعززة بالمزيد من التحالفات، التي تعني حكماً تشتيت ما تبقّى من خصوم.
وكما أن جميع القوى السياسية تنتظر ما سيقرّره «حزب الله» القادر على نسف الانتخابات، فإن الحزب ليس في حالة انتظارية، بل هو باشر فعلاً بورشة تحضير لكلّ الخيارات الأسهل منها إجراء الانتخابات في موعدها، والفوز بأكثر من 65 مقعداً، والاستعداد في أسوأ الأحوال إذا لم يفز بالأكثرية إلى تشتيت أي أكثرية يمكن أن تعمل بانسجام وبأهداف سياسية واضحة.
أما الأصعب ولكن ليس بدرجات كبيرة، فهو نسف الانتخابات، قبل لحظات من إجرائها، دون المرور حكماً بالتمديد للمجلس الحالي الذي اهترأ بين يديه. هذا الخيار تُعزّز حصوله جملة معطيات تقود إلى ما كان يسعى إليه الحزب منذ سنوات طويلة منتظراً التوقيت المناسب، الذي هو المرادف للتفكّك الكامل لمؤسسات الدولة، واستحالة الاستمرار بتركيب سلطة حليفة، أي بكلام أكثر وضوحاً: لا يدقّ جرس تعديل النظام إلا عندما يرفع جميع اللاعبين وليس بالضرورة في الداخل فقط، الأصابع العشرة، لطلب إعادة البحث بالنظام والدستور، سواء بفعل الرغبة في تعديل الموازين الداخلية أو بسبب استحالة ايجاد أي حل آخر.
في جردة لمواقف القوى السياسية تعاطياً مع الانتخابات، يمكن ملاحظة أن الجميع في حالة انتظار ذلك على الرغم من الاستعداد للمشاركة في الانتخابات. في ما يصطلح على تسميته بفريق السيادة وقوى التغيير، تتحضّر أحزاب وشخصيات لتشكيل اللوائح قبل أيام من انتهاء مهلة تقديمها لوزارة الداخلية، وفي فريق «حزب الله» تحضير لترتيب تحالف غير قسري بين «حركة أمل» و»التيار الوطني الحر» برعاية الحزب، لكن هذا التحالف يجري على وقع تضارب في الموقف من الانتخابات أو التأجيل. فبموازاة جنوح جبران باسيل للتأجيل مرة بتقديم طعن للمجلس الدستوري ومرّة بالإصرار على الميغاسنتر، يتعمّد الرئيس نبيه بري إرسال رسائل من كلمات عدة، تبدو موجهة حصراً لعون وباسيل مفادها لن نحقق لكما حلم التأجيل، والانتخابات في موعدها.
الواضح أن ضابط الإيقاع يلعب على اللحظات الأخيرة لموعد إجراء الانتخابات، ويتحرك بين إغراءين. الأول يشجع عليه التوازن الإقليمي الذي يأمل أن يتحول لبنانياً إلى تثبيت للغلبة وتعديل للدستور بما يحقق المثالثة وإعادة توزيع المواقع خصوصاً المواقع المارونية «الفائضة» عن طائفة (المسيحيين بشكل عام) لم تعد تتجاوز الثلث. والإغراء الثاني داخلي يرتبط بحليفه المسيحي المتشوق بدوره لنسف اتفاق الطائف واستعادة صلاحيات رئاسة الجمهورية، وهذا الحليف غير عابئ بخطورة فتح هذا البازار بوجود السلاح، لا بل إنه يعتبر أن السلاح هو ضمانة لاسترداد الصلاحيات. وفي هذا طبعاً تبسيط مقصود، يفترض أن «حزب الله» هو جمعية خيرية مستعدة لتكريس مشروعها في خدمة عنوان استعادة الحقوق، فيما الهدف إعادة تدوير اتفاق الطائف بما يحقق تكريس وجود السلاح كهدف أول، وتغيير بنية النظام وتوازناته كهدف ثانٍ لا يقل أهمية عن الأول.
ما يؤخر «حزب الله» عن تحقيق هذه الأهداف الطموحة بات في ظل الانهيار المرشح للاستمرار، أقل فاعلية، فالقوى التي يمكن أن تمتلك القدرة على المواجهة أصبحت أضعف وأكثر تشتتاً، والإنهاك الذي تعرض له اتفاق الطائف الذي لم ينفّذ، أنهك من كان يفترض بهم التمسك به، فالكنيسة بموقعها المؤثر لم تعد تمانع البحث في عقد جديد ولو على طريقة استحداث تعديلات لا تذهب إلى حدّ نسف الدستور، أما فرنسا فستكون المرشحة حتماً للمشاركة في رعاية مرحلة إدارة الفراغ، قبل البدء الفعلي في تركيب لبنان يختلف عمّا قبل اتفاق الطائف.