تعددت الأسباب، لكن النتيجة واحدة: فشل مدوٍ للقوى التي تصف نفسها بـ»المعارضة» و»التغييرية» في الاستفادة من الفرصة التي أتاحتها الانتخابات النيابية، لتحقيق خروقات نوعية في الاصطفافات السياسية، حيث أطاحت الخلافات بمشروع تفاهم هذه المجموعات وحالت دون صياغة رؤية واحدة وتأليف لوائح مشتركة، ما أدى إلى تعدد اللوائح «المعارضة» وتوزّع مرشحيها في معظم الدوائر، لا سيما في بيروت وجبل لبنان… بعدما كان الاعتقاد سائداً بأنّ حسابات استطلاعات الرأي التي كانت تشير إلى أنّ أكثر من 40% من المستفتين يصوتون لـ»لا أحد»، ستتوافق مع حسابات الحقل بحيث يتحوّل الرأيّ الاعتراضيّ إلى أصوات انتخابية تصب لمصلحة المعارضين، اذا ما نجح هؤلاء في استقطاب هذه الشريحة من الناخبين، المقيمين وغير المقيمين، وتكوين موجة تأييد ترفع من حصة المعارضة في مجلس النواب.
إلا أنّه لتحقيق هذا الهدف ولكي تتمكن هذه المجموعات من اثبات حضورها بين اللوائح المتأهلة أي تلك التي ستتخطى العتبة الانتخابية لكي تحجز مقاعد خاصة بها، كان عليها تقديم نفسها أمام الرأي العام ضمن مشهدية واحدة، صاحبة مشروع واضح ومقنع لتكون إطاراً بديلاً عن السلطة القائمة. اذ لا يمكن اقناع الرأي العام بأنّ هذه القوى جديّة في سلوكها لائتمانها على المقاعد النيابية اذا لم تقفل الباب على خلافاتها الداخلية، العقيمة والسخيفة في كثير من النقاط، والمُدبّرة في نقاط أخرى، كي تتصرف ببعض العقلانية، والواقعية اللتين تحتمان عليها توحيد منصاتها الانتخابية وخوض المعركة ضمن جبهة واحدة… الأمر الذي لم يحصل أبداً.
ففي دائرة بعبدا حيث تشير التقديرات إلى احتمال حصول المعارضة على حاصل انتخابي، فشلت محاولة اللحظات الأخيرة في توحيد الترشيحات بعد جولات عديدة كان يُراد منها تكوين لائحة واحدة قادرة على تأمين حاصل وأكثر. إلا أنّ الخلاف حول الأسماء نسف المسعى الأخير، ما يعني أنّ الاتجاه هو لتأليف لائحة تضمّ كلاً من نعيم عون، خليل الحلو، جان أبي يونس، ورمزي كنج، مقابل لائحة مدعومة من الكتائب والكتلة الوطنية وتضمّ ميشال الحلو، روبير خليفة، واصف الحركة…
كذلك الأمر بالنسبة لدائرة بيروت الأولى التي كان يُنتظر أن تمثل نموذج الحراك الاعتراضي في خوضها الاستحقاق، واذ بمجموعاتها تغرق في «الأنانيات»، بشكل يهدد المعركة برمتها، خصوصاً اذا رست المشاورات على ثلاث لوائح معارضة، احداها لائحة «التحالف الوطني» التي تشكل النائبة بولا يعقوبيان أحد أبرز وجوهها، والثانية لائحة «مدينتي»، فيما الثالثة تضمّ مجموعة «مواطنون ومواطنات» و»الخطّ الأحمر» ومجموعة زياد عبس… واللافت أنّ الخلافات بين هذه المجموعات تحصل على أكثر من مقعد انتخابي ما يعني أنّ احتمال التفاهم خلال الساعات الأخيرة صار صعباً جداً.
أما في دائرة بيروت الثانية، فالخلافات تتوزع على أكثر من محور فيما تسعى النائبة بولا يعقوبيان إلى تذليلها وتأمين ولادة لائحة مشتركة من باب ضمان الحصول على دعم الجهات المانحة، إلا أنّه وعلى سبيل المثال، فإنّ المرشح ابراهيم منيمنة يسجل اعتراضه على ضمّ المرشح حسن سنّو إلى اللائحة كذلك الأمر بالنسبة للأخير الذي يرفض مشاركة منيمنة في اللائحة مع أنّهما خاضا سوياً الاستحقاق الماضي، فيما يدفع المرشح وضّاح الصادق إلى حسم اللائحة «بمن حضر»، أما سنّو فيهدد بالقول إنّ «حلّ المشكلة يكون أحياناً بالخروج منها»، أما المرشح عماد نجا فيتجه إلى عقد مؤتمر صحافي وكشف كل الملابسات بشأن المفاوضات… فيما نقيب المحامين السابق ملحم خلف يسجل اعتراضه على ضمّ أحد المرشحين الدروز بسبب دعوى قضائية بحقه.
أمّا في دائرة المتن الشمالي، فانفرط عقد هذه المجموعات بعد اعتكاف كلّ من غسان مخيبر ووليد أبو سليمان عن الترشح بسبب عدم توفّر ظروف مناسبة لتأليف لائحة تحاكي تطلعات الناس، فضمّت الكتائب بعض الوجوه التي قدّمت نفسها على أنّها «تغييرية»، فيما تضع مجموعة «مواطنون ومواطنات» بالتفاهم مع مجموعات أخرى مشابهة في الطروحات، اللمسات الأخيرة على لائحة «اعتراضية».
وبينما تشهد الساعات الأخيرة قبل انتهاء مهلة تسجيل اللوائح، اجتماعات مكثفة بين العديد من المجموعات المعارضة، تهدد بعض شخصيات هذه المجموعات بالانسحاب من السباق الانتخابي اذا بقيت الخلافات على حالها.