Site icon IMLebanon

جولة بين اللوائح بحثاً عن الإنماء المفقود

 

 

أقفل باب سحب الترشيحات الى الانتخابات النيابية بخروج 42 مرشحا من اصل 1043 تقدموا لخوض السباق في الدورة المقبلة، وهو رقم صغير جدا قياسا على موجة الترشيحات التي أعقبت برودة انتخابية غير مسبوقة. وقبل 3 ايام على مهلة الإعلان عن اللوائح الانتخابية وسقوط دفعة جديدة من المرشحين طرحت الاسئلة حول شكل البرامج الانتخابية، التي تتجاهل مظاهر الازمة وحاجات اللبنانيين الى الانماء والعجز عن إرشادهم الى سبل مواجهة المستقبل المظلم.

حتى صباح الأحد في الخامس عشر من أيار المقبل تاريخ فتح صناديق الاقتراع ستبقى الشكوك محيطة بإمكان فتحها أمام الناخبين. والى تلك المرحلة سيسيل حبر كثير حول حجم البرامج والمشاريع التي أعدّتها اللوائح الانتخابية التي تحاكي هموم اللبنانيين وترددات مجموعة الأزمات الداخلية والخارجية التي تعصف بهم من جوانب مختلفة. وكل ذلك يجري تزامناً مع المساعي المبذولة لدى البعض للاستثمار في مآسي اللبنانيين وإذكاء العصبية المذهبية التي تدفع الى المشاركة في العملية الانتخابية من اجل تعزيز الحواصل التي يلهث خلفها بعض المرشحين الساعين الى دخول الندوة البرلمانية وأولئك الراغبين بالعودة اليها والتغطية على ما لحق بصورتهم من تهشيم نتيجة الفشل في مواجهة او اقفال أيّ من الملفات العالقة لاسباب مختلفة ومبررات لم تقنع أحداً.

وانطلاقاً من هذه المؤشرات البديهية، يسعى المراقبون الى استشراف العملية الانتخابية وما يمكن ان تسفر عنه الانتخابات المقبلة في ظل الصعوبات التي تواجه المرشحين لضمان مشاركة شعبية تسمح بإعطاء المجلس الجديد في شكله وتركيبته المتوقعة الشرعية الدستورية التي تسمح له بمواجهة الاستحقاقات المقبلة على اكثر من مستوى، وخصوصاً السعي الى ترجمة الوعود التي قطعت على الاقل من اجل تَلمّس بدايات الخروج من الازمة الكيانية التي يعيشها لبنان واحياء الامل بالوصول الى مرحلة الإنقاذ والتعافي التي يأملها اللبنانيون لتقصير عمر المحنة التي يعيشونها في حياتهم اليومية من دون التفكير بما هو آت في الغد القريب والمستقبل الغامض.

وقبل الغوص بما يمكن ان يقود إليه الاستحقاق الانتخابي اذا تحقق في موعده، لا بد من الاشارة الى توصيف دقيق لموجة الترشيحات التي جاءت بعدد ممّن يمتلكون قيمة الرسم مع علمهم المُسبَق بعدم القدرة على استعادة الملايين الثلاثين من الليرات اللبنانية التي دفعها كرسم ترشيح قبل إقفال باب الترشيحات في الخامس عشر من آذار الماضي.

والى هذه الملاحظة الشكلية والعددية، لا بد من الإشارة الى الظروف غير الطبيعية التي دفعت بكثير من المرشحين الذين فاقت نسبة مَن يدّعون تمثيل ثورة 17 تشرين وما تلاها من حراك شعبي. ذلك انّ عددهم يقترب من ثلثي المرشحين على خلفية مناهضة المنظومة الحاكمة بغية إسقاطها. وهو ما انعكس ارتياحا واسعا لدى المنضوين تحت عباءة السلطة الذين كانوا في طليعة المستهدفين قبل ان يرتد المهاجمون الى خوض مواجهات بَينية فككت ما بُنِي من تحالفات تحت مظلة الثورة.

وان توغّل البعض في تفاصيل هذه المعادلة يجد نفسه أمام ما توافر من محفّزات أنعشَت أطراف التسوية السياسية التي أبرمت عام 2016 قبل ان تتفكّك عرى العلاقات فيما بين أطرافها. وتوزّعت قواهم بين مُنكفئ ومُعتكف وعازف عن المشاركة في الانتخابات ترشيحا واقتراعا. كما بالنسبة الى اولئك الذين أبرموا «التفاهمات العجائبية» بين الخصوم مُتناسين ما بُني بينهم من سواتر وعقبات كانت ستجرّ البلاد في لحظة من اللحظات الصعبة في وقت غير بعيد الى ما لا تُحمد عقباه. وكل ذلك من اجل تبادل الاصوات ورفع الحواصل الانتخابية في محطة قيل سلفاً إنها مؤقتة وعابرة لأنّ مفاعيلها ستنتهي فور إقفال صناديق الاقتراع وأياً كانت النتائج المترتبة عليها.

وعلى هامش هذه الصورة الانتخابية لا يمكن تجاهل المواجهات المفتوحة بين أهل البيت من القوى المعارضة، فعدا عن «المنافسة القاتلة» التي كرّستها طبيعة قانون الانتخاب بين اعضاء اللائحة انفسهم، فقد ساهمت المواجهات التي قامت بين من يدّعون تمثيل الانتفاضة الى إضعاف القدرات المشتركة التي عبّروا عنها في الشوارع والساحات التي يمكن استثمارها في المواجهة الحتمية مع القوى التقليدية في عدد من الدوائر الانتخابية وقدّمت الهدايا الثمينة لمصلحة القوى الحزبية والتقليدية التي استهدفتها الثورة وأمعنت في إظهار فشلها في مواجهة اي استحقاق وطني واتهمتها بكل أشكال الفسق والفجور وسرقة المال العام.

وفي الإطار عينه وعند بلوغ مرحلة تحديد العوامل التي قادت الى شرذمة القوى التغييرية في بعض الدوائر الانتخابية، لا بد من الاشارة الى ما قدمه البعض من تضحيات بغية توحيد القوى التغييرية والصفوف وتجميع القوى الناخبة من نسبة كبيرة من الناخبين الذين انتقلوا الى الساحات الرمادية في انتظار المشهد الانتخابي الذي يحقق طموحاتهم بغد أفضل وبمجلس نيابي يُحاكي همومهم ومشكلاتهم اليومية، فقد رد البعض من حلفاء الأمس ومن ضمن صفوف الثورة بخطوات أعاقت كثيرا من التفاهمات الممكنة التي كانت ستشكل مصدر قوة لا يستهان بها ويمكن الافادة منها لو توافرت لإجراء أوسع تغيير ممكن في تركيبة المجلس النيابي، وربما قلب الاوضاع على ابواب الاستحقاقات الدستورية المكملة للانتخابات النيابية ولا سيما منها الإنتخابات الرئاسية بعد التغيير الإجباري للتشكيلة الحكومية.

ومن هذه المؤشرات ينطلق المراقبون في سعيهم الى استشراف المرحلة المقبلة بحثا عن البرامج السياسية التي سقطت واحدة بعد اخرى على أعتاب «الطحشة» الكبيرة لقوى السلطة التي لم توفر ادواتها الامنية والقضائية والادارية في مرحلة مقبلة لتفكيك القوى المنتفضة وتطويع بعضها بالترغيب والترهيب لتفكيك التحالفات الممكنة، وقد وجدت ارضا خصبة في اكثر من دائرة انتخابية. فاستدرجت البعض الى لوائحها تحت عناوين شتى وبإغراءات مالية ومادية وسياسية لتكوين مشهد زائف. فبعض مَن جذبتهم اللوائح سيدركون قريبا ان مواقعهم الجديدة لم تكن سوى إكمال للصورة التي تسمح بتركيب اللوائح الاجباري سعياً الى تكوين بعض الحواصل وسيخرجون من السباق بلقب «المرشح السابق».

على هذه الخلفيات، وبعيداً من الإمعان في ما يمكن ان يقود إليه الاستحقاق الانتخابي والتوقعات المنتظرة، لا يختلف المراقبون على القول انّ البرامج الإنتخابية خَلت من المشاريع الانمائية والاجتماعية التي يحتاجها الناخبون قبل التوجه الى صناديق الاقتراع بحجة ان هذه المهمة ستكون مُلقاة على عاتق السلطة الجديدة متى ولدت. وعليه، طرح السؤال ماذا لو أدّت هذه الآليات المعتمدة الى التمديد او التجديد للقوى الحالية المتحكمة بإدارة الدولة ومؤسساتها؟ وما سيكون عندها رد فعل اللبنانيين. فليس مسموحاً لأي منهم أن يتذمّر أو لا يقر ويعترف بنتائج الانتخابات على قاعدة لم أكن أتوقّع ما حصل؟ ولم أرده يوماً؟