شاعت في الستينيات عبارة رافقت باستمرار انتخابات الدائرة الأولى لبيروت: زعامة مارونية على أرض أرثوذكسية بأصوات أرمنية ومال كاثوليكي. في وسع دائرة الشوف – عاليه استعارة العبارة وتطويعها: زعامة درزية – مارونية على أرض درزية – مارونية بترجيح سنّي ومظلة شيعية
الخامسة والنصف مساء اليوم، تعلن من خلدة لائحة ائتلاف الوزراء السابقين طلال إرسلان وناجي البستاني ووئام وهاب في دائرة الشوف – عاليه. ما يُنتظر أن يسبقها ظهراً ما من شأنه أن يعدّل في صورتها. الأولى والنصف بعد الظهر، هو الموعد النهائي لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل كي ينضم إلى لائحة الائتلاف الثلاثي، فيكون رابعهم، أو ينصرف إلى لائحة مستقلة. المرجح أن يكون جواب باسيل إيجابياً في الموعد المضروب، فيحضر مرشحوه إلى خلدة.
بحسب مشاورات الساعات المنصرمة، من شأن التحاق باسيل باللائحة رسوها على المرشحين الآتين: عن عاليه إرسلان وطارق خيرالله وعماد الحاج وسيزار أبي خليل، وعن الشوف البستاني ووهاب وغسان عطالله وأحمد نجم الدين وأسامة المعوش وألبير خوري وفريد البستاني (إذا أراد في اللحظات الأخيرة الانضمام إليهم). على أن امتناع باسيل عن المشاركة في الائتلاف الثلاثي، سيفضي إلى إحلال نديم رعد بدلاً من غسان عطالله، وماريو عون بدلاً من فريد البستاني في الشوف، وإبدال أبي خليل بمرشح ماروني آخر في عاليه يجري البحث في اسمه.
بينما أقفل وليد جنبلاط المقعدين الدرزيين في الشوف بترشيح نجله تيمور ومروان حمادة، تركت لائحة الائتلاف الثلاثي مقعداً درزياً شاغراً في الشوف وآخر درزياً في عاليه. بدوره جنبلاط، على جاري ما اعتاد عليه، ترك المقعد الدرزي الثاني في عاليه شاغراً.
أما ما ينتظر انتخابات الدائرة، فلا سابق له:
1 – لا يزال يحول دون انضمام باسيل إليها، طلبه انضمام ناجي البستاني في حال فوزه إلى كتلته النيابية في البرلمان الجديد، الأمر الذي رفضه البستاني وأصر على عمله السياسي المستقل، مميزاً بين التحالف الانتخابي والانضواء الحزبي الذي لا يمت إليه بصلة مباشرة أو غير مباشرة. رفض كذلك عرضاً بالتلميح بدخوله إلى الكتلة من غير أن يقدم على ذلك. في انتخابات 2018 ترشح على لائحة جنبلاط بعد تفاهم مسبق معه على أن لا ينضم إلى كتلته النيابية. كان ترشح للمرة الأولى ضد كمال جنبلاط عام 1972، ثم ضد جنبلاط الابن مرتين على التوالي عامي 1996 و2000 على رأس لوائح مستقلة. ما قاله البستاني سمعه باسيل أيضاً، وسلفاً، من إرسلان ووهاب. فوزهما، أو أي منهما، لن يجعلهما ينضمان إلى كتلته. أخطره إرسلان أنه يريد ترؤس كتلة مستقلة عنه.
2 – يخوض باسيل انتخابات الشوف خصوصاً، بما ترمز إليه المنطقة تاريخياً وسياسياً، راغباً في الاحتفاظ بالمقعد الماروني الذي لا يزال عنده (يشغله فريد البستاني) بعدما تخلى عن المقعد الماروني الثاني (حالياً ماريو عون) واستبدله بالمقعد الكاثوليكي. يميل إلى إبقاء فريد البستاني في اللائحة، من غير أن يثق بنجاحه بعدما فاز في استحقاق 2018 بكسر الحاصل لا بأصواته التفضيلية. وافق ناجي البستاني على اشتراكهما معاً، بيد أن النائب الحالي أحجم عن الموافقة. ما يعنيه باسيل من إصراره على عدم فقدانه المقعد الماروني في الشوف هو النزال الذي انخرط فيه ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، أحدهما قبالة الآخر: أيهما صاحب الكتلة المسيحية الأكبر في مجلس النواب. يتناحران على المقاعد في كل الدوائر. هو فحسب كل ما يريدانه في هذا الاستحقاق.
بَانَت أخيراً الإشكالية التي أحاطت بتأخير إعلان جنبلاط لائحته، وإلى اليوم تأخير إعلان اللائحة المنافسة، وهي المقعد الماروني الثاني المفترض أنه محسوم، بعد أول لحزب القوات اللبنانية لا يزال في عهدته منذ عام 2005. ذلك ما حمل جنبلاط وثنائي إرسلان – وهاب على التفاوض مع البستاني الذي يحضر ومعه حاصله على الأقل. على أنها المرة الأولى في الشوف، ربما بسبب القانون الحالي للانتخاب والتصويت النسبي والحاصل المشين في حسبان الجميع، يكتسب المقعد الماروني خصوصية مستقلة في ذاته، فيتضاعف التنافس عليه. في ما مضى، لم يُحسب سوى أنه من باب تحصيل حاصل لجنبلاط يُحل فيه من يختار.
3 – من الأسباب الوجيهة للانضمام المحتمل لرئيس التيار الوطني الحر إلى لائحة الائتلاف الثلاثي، تعذّر إيجاده حليفاً درزياً يستقوي به في دائرة ثلث مقاعدها من الدروز، ناهيك بحليف سنّي في إقليم الخروب بات للاقتراع السنّي معه تأثيره الفاعل في نتائج الانتخابات. من دون حليفين درزي – هو أولاً في الحاجة الحتمية والضرورية – وسنّي، يصعب على لائحة التيار الوطني الحر الحصول على أكثر من حاصل ونصف حاصل في دائرة من 13 مقعداً.
4 – ليست المعضلة الدرزية أقل وطأة من تلك المارونية. في لائحة التحالف مع حزب القوات اللبنانية، يدافع جنبلاط عن المقعدين الدرزيين والمقعد السنّي في الشوف وعن المقعدين الدرزي والماروني في عاليه، بعدما اعتاد على مر العقود المنصرمة الاستئثار بالمقاعد الثمانية في الشوف، وأكثر من نصف مقاعد عاليه إبان انفصال الدائرة الانتخابية. تدريجاً منذ عام 2005، بدأ يفقد سيطرته على المقاعد المارونية الثلاثة في الشوف. في الاستحقاق الحالي يواجه جنبلاط امتحاناً غير مجرّب لديه، أقرب ما يكون يدافع باللحم الحي عن المقعدين الدرزيين في مسقطه، متساهلاً حيال كل ما يبعد الخطر عنهما.
5 – ليس خافياً الدور الذي اضطلع به بحماسة حزب الله في انتخابات 2022، بعدما أحجم عنه في الاستحقاق السابق، وهو فرضه التحالف بين إرسلان ووهاب. لحماسته هذه تتمة، هي إبداؤه رغبته في انضمام التيار الوطني الحر إلى التحالف الثلاثي بلا أي شروط مسبقة. ما بات معنياً به حزب الله في دائرة الشوف – عاليه، من غير أن يكون له فيه مقعد شيعي، هدف مزدوج: تقليص حصة جنبلاط في طائفته كما حصة كتلته في البرلمان، ما يرجح أن يفقده نصف المقاعد الدرزية تذهب إلى خصمه إرسلان، بينما يراد لها أن تذهب إلى الغالبية الجديدة التي يطلبها الحزب له ولحلفائه.
أول جرس لتهديد كهذا رمى إليه ائتلاف إرسلان – وهاب بغية تخويف مقعد حمادة في الشوف. ما كان يشغله حمادة قبل استقالته، وكان لا يزال يحتفظ به منذ عام 1990، عندما حل للمرة الأولى بالتعيين في المقعد التاريخي لبهيج تقي الدين المتواصل منذ الأربعينيات، هو في الواقع أول خط دفاع عن زعامة المختارة واستئثارها بها في الشوف. ما لم يسهل على جنبلاط الأب هضمه طوال عقود الأربعينيات والخمسينيات والستينيات والسبعينيات مقاسمة الرئيس كميل شمعون إياه، زعامتهما الدروز والموارنة سواء بسواء. بيد أن أي أحد لم يطرق مرة باب المختارة للدخول إليها عنوة سوى في التاريخ القديم.
الرياض تحلّ عقدة الكاثوليكي
نجحت المساعي السعودية في اللحظات الأخيرة في إنهاء الخلاف بين الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية على المقعد الكاثوليكي في الشوف، بعد ترشيح وليد جنبلاط لرئيس المجلس الاقتصادي – الاجتماعي شارل عربيد فيما أصرت القوات على تحالفها مع الأحرار الذي رشّح فادي معلوف. وبعد تدخل الرياض أعلن عربيد انسحابه ووضعت اللمسات الأخيرة على اللوائح في دائرة الشوف – عاليه، ودائرة بعبدا. وهي تضم:
في الشوف: تيمور جنبلاط ومروان حمادة عن المقعدين الدرزيين، جورج عدوان وحبوبة عون وإيلي قرداحي عن المقاعد المارونية الثلاثة، بلال عبدالله وسعد الدين الخطيب عن المقعدين السنيين، وفادي معلوف عن المقعد الكاثوليكي.
وفي عاليه: أكرم شهيب عن المقعد الدرزي، راجي السعد وجوال فضول عن المقعدين المارونيين، نزيه متّى عن المقعد الأرثوذكسي، فيما تُرك مقعد درزي شاغر للنائب طلال إرسلان.
وفي بعبدا: بيار بو عاصي، كميل شمعون، وألكسندر كرم عن الموارنة، هادي أبو الحسن عن المقعد الدرزي، سعيد علامة وسعد سليم عن المقعدين الشيعيين.
إلى ذلك، تتواصل الاجتماعات بين المجموعات المعارضة من المجتمع المدني التي ستخوض الانتخابات في دائرة الشوف – عاليه. الكثير من العقد برزت في الساعات الأخيرة إلا أنّ الائتلاف استطاع أمس حسم أسماء غالبية المرشحين بانتظار ما ستؤول إليه المفاوضات مع مجموعة «لحقي».
الأزمة التي ستُحسم اليوم ستكون بسحب «لحقي» مرشحهم عن المقعد السني لصالح حليمة القعقور، على أن تُسمي «لحقي» 3 مرشحين: اثنان عن المقعدين الدرزيين وواحد عن المقعد الماروني.
وحتى ليل أمس، رست لائحة الشوف على: عماد سيف الدين عن المقعد السني، غادة عيد ونجاة صليبا عون عن الموارنة، وشكري حداد عن المقعد الكاثوليكي.
وفي عاليه: زويا جريديني عن المقعد الأرثوذكسي، فادي أبي علام وجاد بجاني عن المقعدين المارونيين، مارك ضو وعلاء الصايغ عن المقعدين الدرزيين.