في ظل اشتعال المعركة في الدوائر ذات الأغلبية المسيحية، لا بدّ من توجيه الإهتمام إلى المقاعد المسيحية في الأطراف، والتي تحاول بعض القوى والأطراف التصرّف على أنها جوائز ترضية.
عندما رسم البطريرك الماروني المكرّم الياس الحويك حدود لبنان الكبير تطلّع إلى بناء وطن قابل للحياة بحدوده الجغرافية وموارده، وحينها لم يكن قد نشأ الكيان الإسرائيلي أو سوريا الأسد التي تسعى إلى «بلع» لبنان، وبالتالي فإن الأزمة الإقتصادية الحادة التي تضرب بلد الأرز حالياً تثبت أن نظرية الحويك الإقتصادية كانت صائبة، فالأزمة الغذائية تشتدّ على رغم وجود سهلي البقاع وعكّار، وطبعاً كانت ستكون مأسوية أكثر بلا هذه الموارد الزراعية.
ومن جهة ثانية، فإن النظرية التي تمّ تداولها هي أن حدود لبنان رُسمت على أساس تتبّع الإنتشار الماروني والمسيحي، لكن التغيرات الديموغرافية والحروب المتتالية جعلت الوجود المسيحي في الأطراف من دون تأثير يُذكر.
وأمام كل تلك المتغيرات، تُطلّ إنتخابات 2022 وسط انقسام عمودي في البلد، في حين أنه يتمّ البحث عن تحصيل أي مقعد، فكيف الحال بالنسبة إلى المقاعد المسيحية؟
وفي السياق، وبعد إقرار قانون الإنتخاب على أساس 15 دائرة مع النسبية، تزخّم الحضور المسيحي النيابي، وبات المكوّن المسيحي قادراً على اختيار نحو 50 نائباً بأصوات مسيحية.
لكن، وعلى رغم كل هذا التطوّر، إلا أن مسألة مسيحيي الأطراف لا تزال تطرح نفسها بقوة، إذ إن وجودهم بين غالبية إسلامية سواء كانت سنية أو شيعية يُخفف من قدرتهم على التأثير.
ويُقصد هنا بمسيحيي الأطراف، كل الدوائر التي هي خارج جبل لبنان القديم الممتدّ من جزين وصولاً إلى بشري زغرتا مروراً بزحلة، وهنا يقع «الحق» ليس فقط على الديموغرافيا بل على عدم إيلاء ذلك الحضور الإهتمام الكافي من قِبل القوى المسيحية.
وفي عرض للمقاعد المسيحية الموجودة في الأطراف، فإنها تتوزّع وفق الآتي: جنوباً هناك مقعد أرثوذكسي في مرجعيون- حاصبيا ومقعد كاثوليكي في الزهراني، أما بقاعاً فهناك مقعد ماروني وآخر أرثوذكسي في البقاع الغربي – راشيا، ومقعد ماروني وآخر كاثوليكي في بعلبك – الهرمل.
أما في الشمال، فهناك مقعدان للأرثوذكس ومقعد ماروني في عكّار، إضافة إلى مقعد ماروني وآخر أرثوذكسي في طرابلس.
وفي مجموع عدد المقاعد يتبيّن وجود 11 مقعداً مسيحياً في الدوائر ذات الغالبية الإسلامية المتواجدة في الأطراف، لكن وجودها لا يعني غياب التأثير المسيحي عنها.
وبالنظر إلى وضع الدوائر، فإن عدد الناخبين المسيحيين في عكار يبلغ نحو 80 ألف ناخب، لكن تيار «المستقبل» كان يفرض النواب المسيحيين في النظام الأكثري، واستطاع كل من حزب «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحرّ» إيصال مرشّح لكل منهما بعد إقرار النسبية، في حين حصل النائب هادي حبيش على نسبة مهمة من الأصوات المسيحية، وبالتالي فإن النسبية أنصفت التمثيل المسيحي، لكن الوضع مختلف هذه الدورة، إذ إن «القوات» تحارَب في عكار لمنعها من تأليف لائحة والوصول إلى الحاصل، في حين أن «التيار» قد تراجع، لكن يبقى الوضع التمثيلي للمسيحيين أفضل من بقية الدوائر.
أما في طرابلس، فإن الوجود الديموغرافي المسيحي يخفف من القدرة على التمثيل، إذ إن عدد الناخبين المسيحيين لا يتجاوز 30 ألف ناخب، ويحاول تيار «المرده» الحصول على المقعد الأرثوذكسي في وقت رشحت «القوات» إيلي خوري عن المقعد الماروني بالتحالف مع الوزير السابق اللواء أشرف ريفي، لكن فات البعض أن طرابلس تُشكّل مع الضنية والمنية دائرة واحدة، ويوجد أكثر من 17 ألف ناخب مسيحي في الضنية بلا تمثيل بالمقاعد.
أمّا حدّة المعركة فتظهر في دائرة بعلبك – الهرمل حيث يضع «حزب الله» كل ثقله لإسقاط مرشّح «القوات» النائب أنطوان حبشي، والذي فاز بـ»تسونامي» مسيحي في انتخابات 2018، وقد رشحت «القوات» عن المقعد الكاثوليكي الدكتور إيلي البيطار أملاً بتسجيل خرق مزدوج، في حين ان «التيار الوطني الحرّ» ينتظر هدية من «حزب الله» هي دعم مرشحه عن المقعد الكاثوليكي، من هنا فإن تصرّف «الحزب» بالمقعد الكاثوليكي بهذا الشكل الإستخفافي وعدم إحترام إرادة الكاثوليك ستكون لهما ردود فعل عكسية عند كاثوليك بعلبك ينتج عنها التصويت بكثافة لصالح المرشّح إيلي البيطار، خصوصاً وأن «حزب الله» منح المقعد للحزب «القومي السوري» في إنتخابات 2009 و2018، وسيصبّ أصواتاً شيعية في هذه الدورة على مرشح «التيار» الكاثوليكي من اجل تعويم «التيار» ورئيسه النائب جبران باسيل.
وفي ما خص مقعدي البقاع الغربي وراشيا، فإن الأنظار تتجه إلى نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، في حين أن لا دلائل على تسجيل خرق للأحزاب والتيارات المسيحية في هذه الدائرة.
ولا يختلف المشهد كثيراً في الجنوب، إذ إن حركة «أمل» تنوي الإحتفاظ بمقعد الزهراني المسيحي لصالح النائب ميشال موسى في حين يسعى «حزب الله» للإحتفاظ بمقعد مرجعيون – حاصبيا لصالح النائب أسعد حردان، بينما تستطيع الأصوات المسيحية تحقيق رافعة للقوى المواجهة لـ «الثنائي الشيعي» في حال تألفت لائحة منافسة بعد التململ الدرزي من ترشيح مروان خير الدين وافتقاد السنة هناك لمرجعية وإنتفاضة الشيعة الاحرار على مرجعياتهم.
إذاً، بين المعركة الشرسة التي تنتظر دائرة بعلبك الهرمل، وإثبات الوجود في عكار والبقاع الغربي – راشيا ومحاولة التغيير في الجنوب، ينتفض مسيحيو الأطراف مؤكدين أن مقاعدهم وحضورهم ليست «جوائز ترضية» لأي طرف بل إنهم في «قلب» المعركة الوطنية الكبرى وقد يقلبون الطاولة رأساً على عقب.