أمّا وقد انتظمت الصفوف وانتقلت اللوائح الى المباريات الحاسمة في كلّ المناطق، فلا بدّ من تسجيل التعاطف مع جمهور التيّار الوطني الحرّ الذي يجهد مؤسّسه الرئيس عون في بثّ جُرعات الأمل بتحقيق الوعود المهدورة كمثل تصريحه:
« لن اترك موقعي إلّا وأكون قد كشفت عن كلِّ فاسد. وعلى من يخلفني مسؤولية إعادة النهوض بالبلد».
بغضّ النظر من يقصد الرئيس بخليفته، المجهول المعلوم، فهل يقصد، كما قال المتنبّي، انّه خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من زمانه سيستطيع ما لم تستطعه سنينه الاوائل؟ أم أنّه سيبقى في القصر، ومهما طال الزمن، الى أن يكشف كل الفاسدين؟ نحن ننتظر.
على كلٍّ، اللبنانيّون قاطبةً يتمنّون، بالحلم وبالحقيقة، أن تَكشِفَ لهم حضرة المدّعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون عن نتيجة تحقيق واحدة في ملفّات الفساد الكثيرة التي نظرت فيها والتي أقامت الدنيا ولم تقعدها تحت عنوان إسترجاع المال العام المنهوب او المسروق او المهدور. فلم نرَ شيئاً وما عدنا نؤمن أنّنا سنصل الى نتيجة ولو لمرّة واحدة في ملفّ ما، لا في ملفّات النافعة والميكانيك، ولا في ملفّات البواخر والمازوت والنفط، ولا في ملفّات قروض الإسكان، ولا في ملفّات نقل الأموال ولا تبييضها ولا… ولو فعلت القاضية ووصلت الى أيّ نتيجة لوجدنا كلّ اللبنانيّين يرفعونها ويرفعون من يدعمها على الراحات.
أمّا النواب التيّاريّون الذين يعاودون ترشّحهم لولاية جديدة فأراهم يردّدون شعارات تُخَالف مسيرتهم النيابيّة طيلة سبعة عشر عاماً. فأحدهم يخطب في جمهوره واعداً «بتطوير النظام الحالي وتحقيق اللامركزية الادارية وبناء الدولة». فَمَن منع حضرة النائب الكريم وَمَن منع تيّارَه من تحقيقِ أمنياته ببناء الدولة؟؟ أوليس حلفاؤه الذين يتحالف معهم من جديد في معظم الدوائر الانتخابيّة؟ فبربّكم ما هذا الانفصام؟
ونائب تيّاري آخر يقول، «اذا بدكن تحرّروا القرار انتخبوا التيّار». لكنّه، وكزميله، لم يقل لنا مِن مَن يريد تحرير القرار من الأميركيّين والاوروبيّين والعرب والبطريرك والسياديّين، ممّن؟ وماذا يمنعه؟
ثمّ يُكمل النائب قائلاً: «نخوض معركة الاصلاح واستعادة الدولة». وأيضاً لا يخبرنا سعادته مِمَّن يريد استعادة الدولة؟ نُحيله الى حلفاء التيّار على كامل اللوائح فيأخذ الجواب.
أم تُرانا نَسينا النظرية الجديدة في الجيوستراتيجيا العالمية التي طرحها رئيس التيّار الحرّ النائب جبران باسيل بقوله «نركب مع أخصامنا في نفس القطار، كلٌّ ينظر من شبّاكه، وعندما نصل الى المحطة وننزل من القطار نعود الى متاريسنا واتهاماتنا المتبادلة». كانوا يقولون عيش كتير بتسمع كتير، صرنا بزمن يُقال فيه عيش قليل بتسمع كتير لأنّنا في زمن تناسل التناقضات.
في لوائح التيّار الحرّ أصدقاءٌ لنا كُثُر، وهم يتمتعون بالصفات الشخصيّة المحترمة، لكنّهم ذاهبون من حيث لا يدرون الى حيث لا يريدون ولا يرغبون. ذاهبون للالتحاق بمحورٍ لا دَخلَ لهم فيه، وبثقافةٍ وحضارة لا تشبه تاريخهم ولا حاضرهم، للالتحاق بطريقةِ عيشٍ سُرق منها الفرح والضحكة والبحبوحة والعيش الرغيد، حيث الموسيقى كُفرٌ والغناء حرامٌ والفولكلور والدبكة وشبك الأيدي عربدة، والانفتاح ضعف، والحوار والسلام استسلام. يلتحقون بمحورٍ لا يُتقن إلّا لغة الحرب وأبجدية القتال في كلّ الساحات. يلتحقون بمحور لا يوصل إلّا الى الفقر والعوز والعَدَمِيّة.
ليس لنا إلّا الاتكّال على وعي الناخبين السياديّين الأحرار في صناديق الاقتراع لنكمل سويّاً العمل على استرجاع لبنان الحضارة والرسالة، لبنان الاستقرار والازدهار، ونُكمل مع غبطته:
« إنتخابات نيابيّة ناجحة تعني انتخابات رئاسيّة ناجحة قبل شهرين من انتهاء العهد وفقاً للدستور».