نسبة التصويت تمثل، عملياً، العنصر المشترك الوحيد بين كل المتورطين في العملية الانتخابية. معارضون للانتخابات يريدون أوسع مقاطعة ممكنة من أجل انتزاع حق الفيتو من خارج الحكم. ومنضوون يريدون أعلى نسبة مشاركة من أجل تثبيت شرعية شعبية أو سعياً إلى حصد مقاعد.
معركة التحشيد هذه لا تنجح بحملات كالتي يعرفها العالم المستقر، حيث المساءلة والمحاسبة والسؤال عن البرامج والأفكار. في حالة لبنان، يجري حصر المعركة بالبعد السياسي الذي لا يرتبط بالضرورة ببرامج التغيير الداخلي.
حزب الله، مثلاً، يقول صراحة إنه يخوض معركة الدفاع عن تمثيل المقاومة الشعبي. وهو يريد تثبيت الشرعية الشعبية الأكبر في لبنان من خلال أعلى نسبة تصويت لصالح مرشحيه أو اللوائح التي يشارك فيها. ويعتمد خطاب الحزب على هذا العنصر بصورة مركزية، ويمثل خلفية قراره المركزي بعدم إجراء أي تغيير على صعيد الترشيحات أو التحالفات. ويبذل حزب الله جهوداً مضنية من أجل التوفيق بين حلفائه، وهمّه يتمثل في أن يحافظ التحالف الذي حقق توازناً كبيراً في الانتخابات الماضية على قوته داخل المجلس النيابي المقبل، ما يمكنّه من إعادة تثبيت الرئيس نبيه بري في منصبه رئيساً للمجلس النيابي، ومشاركة واضحة القوة في أي حكومة جديدة. والأهم، الإمساك بقوة نيابية كبيرة قادرة على حسم الموقف حول هوية الرئيس المقبل للبلاد في الخريف المقبل.
في الجبهة المقابلة، لم يتأخر خصوم المقاومة، من سمير جعجع ووليد جنبلاط إلى فؤاد السنيورة وشخصيات وقوى 14 آذار، في إعلاء الشعار السياسي أيضاً. هؤلاء لا يجدون ما يفرض تغييراً حقيقياً على صعيد الترشيحات. وهم يتحدثون، مباشرة أو مواربة، عن معركة مباشرة ضد المقاومة وحليفها التيار الوطني الحر أولاً، وضد جبهتهما العامة ثانياً.
عملياً، لن يجد حزب الله مشكلة في الدفاع عن خياره. ربما يتعب في الإكثار من الكلام الذي يستهدف إقناع الجمهور بأن الأمر لا يتعلق باسم أو وصف هذا المرشح، ولا بأن هذا التحالف طبيعي أو مشكوك فيه. وبرغم كل «النق» القائم في القواعد الشعبية اللصيقة بالمقاومة، فإن التقديرات المنطقية تشير إلى أن التجاوب سيكون كبيراً. لكن هاجس الحزب والحلفاء هو في منع تدني نسبة التصويت عند الأنصار. وهذا بند يتطلب آليات عمل يعرفها اللبنانيون جميعاً منذ بدء الانتخابات في هذا البلد. صحيح أن الحزب يعمد إلى تقديم شروحات حول محاولات مستمرة من جانبه لمحاربة الفساد، وأنه جوبه باعتراضات سببها الواقع السياسي وطبيعة القضاء وضعف الأجهزة الرقابية، لكن كل هذا النقاش، على أهميته، لن يكون سبباً في ذهاب مناصري الحزب إلى أقلام الاقتراع. بل سيصوّتون مرة جديدة دفاعاً عن المقاومة، ونقطة على السطر.
في المقلب الآخر، تشترك قوى 14 آذار، مع المجموعات المنبثقة من حراك 17 تشرين، والشخصيات والقوى التي تتخذ لنفسها موقعاً فيه مسافة عن قوى السلطة، في حملة مركّزة على حزب الله، سواء اعتباره مسؤولاً عن خراب لبنان بسبب المقاومة، أو اتهامه بتوفير الحماية للطبقة الحاكمة ومنع الثورة الشعبية من تحقيق هدف الإطاحة بها. لكن الأكيد أن كل هؤلاء لا يظهرون في كل ما نسمعه منهم ما يفيد في شرح تمايزاتهم عن بعضهم البعض. بل هم يمنعون النقاش عن الأسباب التي أدت إلى الانهيار القائم سياسياً واقتصادياً ومالياً واجتماعياً، ويمنعون أي مراجعة لحقبة 1990 – 2005، ولا لحقبة 2005 – 2019. وهم يفعلون ذلك عن وعي، لأنهم يعرفون أن أي مراجعة جدية ستجعل من يصدق خطابهم حول الإصلاحات ينفضّ عنهم قبل أي شيء.
ليس في لبنان اليوم ما يشير إلى القدرة على استغلال الانتخابات لتحقيق تغيير جزئي أو شامل
هل من عاقل ينتظر برنامجاً لوليد جنبلاط يجعل أبناء الشوف وعاليه وحاصبيا يسألون عما آلت إليه أوضاعهم في ظل قيادته الرشيدة؟ أو أن سمير جعجع ينتظر صفحاً حقيقياً من الناس ليلتحقوا من جديد بثورة الوطن القومي المسيحي، أم أن فؤاد السنيورة سيقف أمام حشود تريد تعميم نموذج سوليدير على كل أرجاء لبنان، أم أن آل فرنجية وآل الجميل وآل معوض وآل المرعبي وآل سكاف وآل الخازن… سيدفعون الشباب إلى الثورة من أجل تمجيد حكم العائلات في لبنان إلى أبد الآبدين.
مع الأسف، ليس في لبنان اليوم ما يشير إلى القدرة على استغلال الانتخابات لتحقيق تغيير جزئي أو شامل. ومن يذهبون، راغبين أو مرغمين، إلى الاقتراع يوم 15 أيار، إنما يجددون عن وعي لهذا النظام الذي ينتظر خارجاً يطيح به، تماماً كما جاء خارج وفرضه على أبناء هذه الأرض قبل عشرات السنين…