IMLebanon

قبل الإنتخابات وبعدها: لبنان ليس “غنيمة”

 

لبنان ليس “غنيمة” لأحد عدواً كان أو صديقاً. هو اليوم عبء على الطامعين به، وغريق يحتاج إنقاذه الى ما يفوق تضحيات المؤمنين به. ولا فائدة من تكبير الشعارات واللعب على الغرائز الطائفية والمذهبية والتسابق على المحاور الإقليمية والدولية، إن لم يكن لدى المتسابقين لربح الإنتخابات مشروع إنقاذي لما بعد الإنتخابات وتكوين السلطة. مشروع لحل مشاكل اللبنانيين العالقين في جهنم وقدرة على تحقيقه. وخطة واقعية لإعادة ترتيب العلاقات بين لبنان وأشقائه العرب وأصدقائه الدوليين.

 

حتى من يتصور أن المستقبل في لبنان والمنطقة للمحور الذي يعمل له، فإن حقيقة مخيفة في إنتظاره: أخذ البلد المنهار كلياً على طريقة القاعدة المعروفة في محلات الخزف الصيني “إكسره، تملكه” يصطدم بجدران داخلية وخارجية. وإعادة البناء من الصفر مهمة مستحيلة، بصرف النظر عن الممكن في المهام السياسية والمالية والإقتصادية والأمنية والعسكرية.

 

ذلك أن الرفض الدائم لجعل المقاومة على قياس لبنان يؤدي بطبائع الأمور الى رفض معاكس لجعل لبنان على قياس المقاومة الإسلامية المرتبطة بإيران. والإندفاع في أدوار أكبر من قدرة الوطن الصغير على التحمل يقود بالضرورة الى تنامي التيارات المتمسكة بأن تكون مصلحة لبنان الوطنية فوق كل مصلحة. ولا مجال للقفز من فوق الواقع المزري للبلد. فالهرب الشامل داخل السلطة من الإصلاحات المطلوبة من اللبنانيين والدول الشقيقة والصديقة وصندوق النقد والبنك الدوليين، بحجة الخوف من إتخاذ قرارات غير شعبية عشية الإنتخابات هو هراء إنتخابي. فأي قرار غير شعبوي أكبر من الوضع الذي أوصلتنا إليه المافيا الحاكمة والمتحكمة؟ أليس ما تطلبه المافيا نفسها من الناخبين هو إعادة إنتخابها من دون أن تتوقف أمام البؤس الذي قادتهم إليه؟ أليست لعبة المافيا الإنتخابية هي التلاعب بالناس، وسط ترتيب صفقة حول الإنتخابات النيابية والرئاسية، مع أن صناعة الرئيس في لبنان متعددة الجنسيات؟

 

أما القوى “السيادية”، فإنها تخوض المعركة بشعارات عالية وأصوات مرتفعة، ولكن بالحد الأدنى من التنسيق والتضامن. وهي تحاذر القيام بأي جهد يمكن أن يغضب الرجل الذي ترك المعركة على طريقة “مكره لا بطل”. وأما قوى “التغيير” في المجتمع المدني، فإنها سجلت الرقم القياسي في الخلافات والإندفاع في هرطقة ديمقراطية اسمها رفض الأحزاب والحزبية السياسية. كأن الديمقراطية ممكنة من دون أحزاب. وكأن منظمات المجتمع المدني ليست نواة أحزاب سياسية في النهاية. فالفارق كبير بين الوقوف ضد الأحزاب بشكل مطلق وبين إنتقاد الأحزاب التي تصبح مجرد منظمة تديرها عائلة، والعائلات التي تتصرف كأنها أحزاب، والطوائف التي تنتخب بصوت واحد على طريقة “بلوك”.

 

كان ماوتسي تونغ يقول: “الأشياء يجب أن تسوء كثيراً لكي تصبح أفضل”. لكن الأشياء هنا تسوء كثيراً لتصير أسوأ بكثير، عن سابق تصور وتصميم لدى المافيا.