Site icon IMLebanon

الديمقراطية اللبنانية في ظل «حزب الله»!

 

 

تنتشر اليافطات الانتخابية في لبنان لقوى المعارضة، تحمل الشعارات التي تعارض الوضع التعيس وتعد بالقدرة على تغييره. وتسأل نفسك أمام هذه الشعارات: علامَ يعتمد هؤلاء الحالمون في بلد دفعه الشلل السياسي والأزمة الاقتصادية الطاحنة إلى الحضيض أو إلى ما دونه؟ وهل لا تزال فرص الإنقاذ ممكنة، فيما القوة النافذة في لبنان، وهي قوة «حزب الله»، لا ترد على معارضيها إلا بلغة التخوين، وتتهمهم بأنهم «عملاء للسفارات» وأدوات في خدمة المشروع المناهض لهذا الحزب؟

لا شك أن القوى المشاركة في الانتخابات تحتاج إلى شعارات لحشد التأييد الشعبي. ولأن القدرة على رفع الشعار أسهل من القدرة على تحقيقه، سوف تنتهي هذه الانتخابات إلى أن هناك مَن سيحققون ما يريدون، وسوف يكون هناك مَن يفشلون، تبعاً لموازين القوى ولقدرة كل فريق على تأمين التأييد الشعبي لشعاراته.

الرهانات كثيرة على نتائج الانتخابات التي يفترض أن تجري في منتصف الشهر المقبل. فريق السلطة الحاكم (والأصح المهيمن) الذي يضم تجمعاً يشمل «حزب الله» ومعاونيه من مختلف الاتجاهات، يقول إنه يحظى بأوسع تحالفات عابرة للطوائف والمناطق. بين القوى الحليفة لهذا الحزب: «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل» وأحزاب «ممانعة»، بعثية وقومية. هذا الفريق يخوض المعركة، التي يعتبرها «معركة وجود»، في وجه مطالب التغيير تحت ضغط الانهيار الشامل. ويهدف هذا الفريق إلى الحفاظ على مكتسبات السنوات الماضية، التي حققها بأدوات التعطيل والترهيب. وهو يستخدم في حملته الانتخابية خطاب التحريض المذهبي والتهويل السياسي، متهماً خصومه بأنهم أدوات لما يسميه «المشروع الأميركي»، وبأن تمويل معركتهم يأتي من السفارات التي تريد ضرب المقاومة والحد من قدراتها. ويدعو مناصريه إلى الإقبال على صناديق الاقتراع انطلاقاً من أنه «أمر جهادي وفرصة عبادية». ويصرح رئيس كتلته النيابية النائب محمد رعد بأن معارضيه يهدفون إلى الحصول على أكثرية نيابية تسمح لهم بأن يأتوا برئيس للجمهورية في انتخابات الخريف المقبل، لينفذ السياسة الأميركية في لبنان. ويضيف رعد مهدداً: نحن ضد ذلك وسنمنع هذا الأمر. ولا يتردد في التأكيد أن «حزب الله» وحركة «أمل» سيحصلان على كل المقاعد المخصصة للطائفة الشيعية في البرلمان المقبل (27 نائباً شيعياً)، في إشارة من السيد رعد إلى أن فهمه للعملية الديمقراطية هو أن إعلان النتائج يتم حتى قبل إجراء الانتخابات!

على الضفة الأخرى، هناك من يحلم بالقدرة على تغيير الوضع، انطلاقاً من أن معظم اللبنانيين الذين يعانون من الظروف المعيشية والاقتصادية القاسية سوف يميلون إلى تحميل المسؤولية لمن قادوا البلد إلى هذا الوضع وسوف يحسن الناخبون بالتالي اختيار البديل.

القوى «التغييرية» التي انطلقت مما سُمي انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019 قوى مشرذمة لم تستطع أن تتوحد حول مشروع واحد أو لوائح مشتركة. وهناك تكتل من مختلف الطوائف، يضم أحزاباً تسعى إلى التغيير، مثل «القوات اللبنانية» و«الاشتراكي» والكتائب، وقيادات سنية مناوئة لهيمنة «حزب الله» يمتد تمثيلها إلى مختلف المناطق، وتحاول ملء الفراغ الذي تركه امتناع سعد الحريري وتيار «المستقبل» عن خوض الانتخابات. من الشعارات التي رفعها حزب «القوات» مثلاً باللغة اللبنانية المباشرة: «نحنا بدنا ونحنا فينا»، في إشارة إلى رغبتهم في إحداث التغيير وقدرتهم على ذلك.

يطالب التجمع الذي يضم هذه القوى باستعادة الدولة لقدرتها على اتخاذ قراراتها السياسية والأمنية ورسم سياستها الخارجية، بعدما تمكن «حزب الله» من السيطرة على مراكز القرار، بدءاً من رئاسة الجمهورية وأكثر الوزارات. ويرى أن ذلك هو المدخل الصحيح لتتمكن الدولة من إدارة شؤونها السياسية والمالية. وقد عبر المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان عن دعمه لهذا المطلب في رسالته بمناسبة بدء شهر رمضان، وقال إن هذه الانتخابات تضاهي في أهميتها شعار «لبنان أولاً» الذي رفعته الأحزاب المعارضة لهيمنة «حزب الله» وللنفوذ السوري، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فيما عرف آنذاك بقوى «14 آذار». وأضاف المفتي دريان: هذا الشعار الذي نادينا به كانت له الأولوية ولا تزال. كما انتقد ما وصفه بـ«الهدم الفظيع لعلاقات لبنان العربية والدولية والمحاولات البائسة للتعرض لهوية لبنان وانتمائه». وهاجم «إسقاط حرمات المؤسسة العسكرية وصلاحياتها والأجهزة المسلحة لصالح ميليشيا بل ميليشيات خاصة تأتمر بأوامر الخارج».

الأصوات المعارضة لـ«حزب الله» هي من دون شك أكثر ارتفاعاً هذه المرة من أي انتخابات سابقة، والاتهامات تتجه إلى الحزب وحلفائه، خصوصاً «التيار الوطني الحر» باعتباره في موقع المسؤولية الأولى، من خلال رئاسة الجمهورية. ولأن الحزب أخذ يشعر بوطأة الاتهامات وبصعوبات الوضع المعيشي، فقد تحولت حملاته المضادة إلى اتهام خصومه بـ«العمالة» وبالحصول على الأموال من الخارج لكسب المعركة. الرئيس نبيه بري قال مثلاً إن خصومه ينفقون 30 مليون دولار لمحاولة إسقاطه في دائرته الانتخابية.

في هذا المناخ، ولأن القوى المعارضة لـ«الثنائي الشيعي» عاجزة عن خوض حملاتها في مناطق نفوذه، حيث تم تسجيل أقل عدد من اللوائح ومن المرشحين، تصبح نتائج الممارسة الديمقراطية محسومة سلفاً، مثلما توقع النائب محمد رعد. كما يصبح مطلب التغيير مطلباً عبثياً. فالقوى التي تطالب به عاجزة عن تحقيقه، والقوى الرافضة والمستفيدة من الوضع الحالي قادرة على فرض إرادتها بالقوة، سواء من داخل صناديق الاقتراع أو من خارجها، كما أثبتت تجارب انتخابات عامي 2005 و2009 عندما كسب الفريق المعارض لـ«حزب الله» الأكثرية ومُنع من الحكم. أو كما يحصل في العراق حيث نجح معارضو القوى الحليفة لإيران في كسب الأكثرية في الانتخابات الأخيرة ولم يتمكنوا من ترجمة ذلك في مقاعد السلطة.

وللذين يراهنون على نتائج الانتخابات، وجه النائب محمد رعد نصيحته: على الذين يفكرون في أن يحكموا بأكثرية جديدة أن يفهموا أن لا أكثرية تستطيع أن تحكم في لبنان.