من الطبيعي النظام الديمقراطي في الأنظمة السليمة هو أصيل من خلال ممارسة سياسيّة شفّافة ينتهجها المُشرّعون والتي تنعكِسْ إيجابًا على أداء المواطنين. وفقًا للنظام السياسي السليم لا بُدّ أنْ تكون الحياة البرلمانية حيّة صادقة تعكِسْ الأصالة البرلمانية العريقة والتي تفرض نفسها في منهجية التشريع وحرية ممارسته لا التطاول عليه كما هو قائم اليوم حيثّ تمّ تمرير مشروع القانون الوارد بالمرسوم الرقم 8953 القاضي بتمديد ولاية المجالس البلدية والإختيارية حتى تاريخ 31 أيّار 2023، وهنا نسأل نوّاب الأمة عن المسار الديمقراطي وعن الظروف الإستثنائية لتأجيل الإنتخابات لمدة عام وهذا التأجيل يُعتبر وإستنادًا إلى مراجع دستورية مخالفة دستورية ومخالفة للنظام الديمقراطي. إنّ ما جرى ووفقًا لمصدر متابع هو عملية غش منظّمة إتبعها نوّاب الأمة حيث تمّ الإتفاق ضمنيًا بينهم وبين العديد من رؤساء البلديات والمخاتير على مواكبة الإستحقاق الإنتخابي تسويقًا وإقتراعًا على أن تكون النتيجة إعادة تعويم المجالس البلدية والمجلس النيابي وفقًا للمصدر المطلع وعلى ذمّته.
لا شكّ أنّ إيمان اللبنانيين الشرفاء بالنظام الديمقراطي وبالعمل الديمقراطي السليم أصيل ومتين ومتجذّرْ وعميق وقد تمكّن اللبنانيّون ماضيًا أن يُحافظوا على الحد الأدنى من هذه الديمقراطية مع كل من صائب سلام ،عبدالله اليافي صبري حماده، كمال جنبلاط ،كميل شمعون ،ريمون إده، وغيرهم من عمالقة مجلس النوّاب. وقد تمكّن اللبنانيّون خلال كل سنين الإستقلال أنْ يُحافظوا على الحد الأدنى من هذه الديمقراطية وهؤلاء السّادة الذين ذكرتهم صانوها من الزوال فمارسوها في كل الظروف ورغم كل الحواجز والمعوقات. في حين أسأ نوّاب الأمة الحاليين من القيام بالمهام الديمقراطية الشفّافة والصادقة… والمجالس الحالية للأسف هي من أسوأ المجالس النيابية التي يشغلها الصراع المُستديم بين أركانها وتفتقد لمبادىء التشريع والمحاسبة ولا إستراتيجية للدولة اللبنانية بما يتفق وآمال وطموحات وتراث الشعب اللبناني.
وفقًا لعلم القانون والتنظيم البُنيوي من المستحيل أن نتصوّر مجتمعًا من دون قوانين تنظيمية ، والقوانين مبدئيًا هي من صنع الذين يمثلون شعوبهم بديمقراطية الإنتخاب السليم ،لذلك فإنّ قانون الإنتخابات كونه فعليًا يُحدِّدْ آلية وشروط إختيار الشعب لممثليه فهو قانونيًا ودستوريًا الإجراء الأول المُمَهِّدْ لتشكيل لصناعة وإعداد كل القوانين. والقانون إنْ كان يتعلق بالإنتخابات النيابية أم لتنظيم أمر أخر لا بُدّ وأنْ يكون معبرًا عن تطوّر الشعوب وتطلعاتها.ما يجري حاليًا أنّ القوانين الإنتخابية النيابية تُسّنْ من أجل مصالح صرف خاصة،فالقانون الإنتخابي الحالي أقِّرْ وفقًا لمصلحة الطبقة السياسية الحاكمة والأمر يشي إلى أنّ المُشرّعين لهذا القانون شرّعوه من أجل مصالحهم الخاصة ولأجل من يُديروهم من الدول الإقليمية والدولية على حساب مصلحة الدولة والشعب اللبناني.
في معرض إستعراضنا كباحثين عن القانون الحالي من الملاحظ أنه يعكُسْ واقع المجلس النيابي الحالي بكل مكوناته منذ إعداده وصدور نتائج الإنتخابات السابقة وصولاً إلى الإستحقاق الحالي وهو بعيد كل البُعد عن الإختصاص السياسي بل هو نسخة طبقة الأصل عمّا يُسمى بالزبائنية السياسية وهو يُعطي صورة جد واضحة عن ملامح الواقع السياسي المأزوم القائم. إنّ هذا القانون يخضع لجدل عقيم وهو نتاج طبقة سياسية فاسدة ومُفسدة وجهد مُضني في عرقلة الزعماء السياسيين لتسويقه والذي على أثره تمّتْ الإنتخابات الماضية والتي ستُجرى على أساسه في القريب العاجل ، وإنّ إقراره في الشكل والكيفية وحتى الطريقة أرضى جهات مستفيدة ومرّر لأخرى مصالح خاصة في حسابات الربح والخسارة والوصول إلى الندوة النيابية ، وبات واضحًا أنّ نوّاب الأمّة يُقرّون قوانين توجب تفصيلها على مقاسات الزعماء التقليديين والزعماء الفروع المستجدّين على السواء. وعلى ما يبدو أنّ نوّاب الأمة عجزوا عن تشريع قانون يتيح للشعب إختيار ممثليه وفقًا للأصول الديمقراطية والذي من الممكن أن تريح ولادته الشعب والساسة وتبدِّدْ اليأس المنتاب.
إنّ الفقرة /ج/ من مقدمة الدستور تنص بدورها على أنّ لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على إحترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد وعلى العدالة الإجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطني دون تمايز أو تفضيل. كما أنّ الفقرة /د/ من مقدمة الدستور تنص على أنّ الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يُمارسها عبر المؤسسات الدستورية. ولأنّ الإنتخابات هي التعبير الديمقراطي الصحيح والسليم عن سيادة الشعب وهو لا يكون كذلك إلاّ إذا تأمنّتْ من خلاله المبادىء العامة الدستورية التي ترعى عملية الإنتخاب ولا سيّما مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون.
وأخيرًا لا يجوز لأي مُشرّع أن يجعل من حالة مؤقتة وإستثنائية ليس لها طابع الديمومة قاعدة عامة أو أن يبني عليها قاعدة ثابتة دائمة تخُّلْ بمبدأ المساواة أمام القانون بصورة دائمة لذا إنّ الإنتخابات القادمة عبارة عن تزوير إرادة الشعب وحجز حرية إختياره ورهنه لطبقة سياسية فاشلة.
كاتب وباحث سياسي