«لا توحش النفس بِخَوف الظنون وَاغْنم مِن الحاضر أمن اليقين فقد تَساوى في الثرى راحل غدا وماضٍ مِن ألوف السنين» رباعيات الخيام – أحمد رامي
على رغم من اقتراب موعد الانتخابات التي أصبحت قاب قوسين، لا تزال مؤشرات عدم إجرائها تسيطر على عقول كثيرين، وللأمانة فإنّ هذا الاحتمال وارد في ظل الوضع المتدهور على مختلف الصعد الأمنية والسياسية والمالية. فخلال الأيام الماضية سجّلت في دوائر عدة أحداث دامية لا علاقة لها بالانتخابات، لكنها على الأقل مؤشرات قد تكون غير موجّهة من أي مكان، وقد تعبّر فقط عن ضيق الصدر والفلتان الأمني، أو قد تكون موجهة بنحوٍ مدروس. كما أنّ التصريحات المتناقضة لمسؤولين في الحكومة عن إفلاس المصرف المركزي أو عدم إفلاسه، والإضرابات المتعددة في الإدارة والبعثات الديبلوماسية واستهداف المصارف وفلتان القضاء المرتبط بالسياسة، كلها لا تبشّر بأنّ الأمر سيصل إلى يوم الاستحقاق الانتخابي من دون أحداث كبرى قد تؤدي إلى تأجيله.
لكن، لنقف لحظة للتفكير، أليس من الممكن أنّ أصحاب الماكينات الانتخابية الجاهزة لتصبّ بتكليف عقائدي أو إشارة من السيّد في صناديق الاقتراع هي التي تسوّق لهذه الاحتمالات لمجرد دفع المعارضين لنهج أصحاب التكليف إلى الاسترخاء. يأتي هذا في ظل فتور واضح في المزاج السني السياسي بعد خروج تيار «المستقبل» من المعادلة الانتخابية، وتشتّت واضح في لوائح الثورة التي بدأت تأكل أبناءها وتتآكل هي معهم. هذا يعني أن المشروع الذي دمّر البلد بتحالف السلطة والفساد مع الميليشيات المسلحة رابح مسبقاً، أو على الأقل سيتمكن من فرض حلفائه وأتباعه لتمثيل المعتكفين والملتزمين الصمت، وسيتمكن من دفع الحاصل الانتخابي إلى الحضيض حيث تتعدّد اللوائح التي لن تتمكّن من تحصيل حاصل واحد، وبالتالي إلغاء أصوات قد تصل إلى عشرات الآلاف، فتضيع تلك الأصوات هباء، ليكسب من هم منتظمون في لوائح مدعومة من المنظومة التي تصب أصواتها بالجملة.
قد يسأل سائل هنا ما الداعي إذاً من الاقتراع طالما أنّ المنظومة ستحصل على مرادها مهما حاولنا؟ الجواب هو أنّ الاستسلام لهذا الأمر سيُعطي الفرصة لمنظومة الفساد والسلاح للتطلع إلى تجاوز الأكثرية النيابية لتحصل على ثلثي المجلس، وعندها لن يتمكن أحد من ردعها عن تحويل أصحاب رئاسات ووزارات ومواقع إدارية وأمنية وقضائية مجرد موظفين يَأتمرون بالتكليف بحكم الأمر الواقع. هذا بالإضافة إلى أن الدول القريبة والبعيدة ستعترف بهذا الأمر الواقع الناتج من الانتخابات، فتزداد عزلة لبنان عن الدول العربية، وستقول دول أخرى انّ الشعب اختار من يمثّله فكان اختياره الفساد بدل المؤسسات، والميليشيات بدل الدولة، والالتحاق بالاقتصادات الفاشلة بدل السعي إلى الاستثمارات الناجحة.
من هنا، علينا أن نخرج من قمقم الاعتزال لنتدبّر أمرنا، فصحيح أن نتيجة انتخابات 2018 كانت بسبب القانون الهجين الذي نَخوض على أساسه الانتخابات الحالية، لكن سبب حصول تلك المنظومة على الأكثرية كان أساسًا استنكاف كثيرين عن المشاركة، وبالأخص في المدن الكبرى، ممّا فتح الباب أمام منظومة الميليشيات لخطف مقاعد إضافية، وبموضوعية، لقد كان في الإمكان تلافي هذا الأمر لو كان الإقبال على صناديق الاقتراع كثيفاً.
اليوم يتكرر السيناريو نفسه، وبعد تجربة انتخابات 2018 أصبح واضحا أن الطريق الوحيد لوقف زحف منظومة السلاح والاغتيالات وقطع الأرزاق وتفجير المرفأ والكهرباء المقطوعة والمصارف المفلسة والاقتصاد المعدوم والفقر والعوز والمرض وقطع الأوصال مع العرب، هو بالاقتراع ضدها لأنّ النائب يصبح نائبا حتى وإن شاركَ أقل من عشرة في المئة من الناخبين. لذلك، فحتى لا تأخذنا الغفلة، علينا أن نشارك في الانتخابات المقبلة واعتبارها أمراً حاصلاً.