قد يتمكّن بقايا اللبنانيين متراقصين بين قوّة التقليد ولفحة التجديد، من إنتخاب 128 نائباً من بين 718 مرشحا بينهم 118 سيدة إنضووا مذهبيّاً وفقاً للطراز اللبناني الفريد في 103 لوائح للذهاب ربّما في 15 أيّار/مايو المقبل إلى 7000 مركز اقتراع موزعة على 15 دائرة انتخابية. رُصد لهذه الإحتفالية 295 مليار ليرة لبنانية أي 12 مليون دولار أميركي وفقاً لأسعار السوق السوداء.
باشرت مقالي بـ «قد»، لأنّ لغماً فلح أرض الإحتفالية بالقول أنّ الدولة قد لا تتمكّن من تأمين الكهرباء أكثر من أربع ساعات ونصف في اليوم فيركض الجواب بأنّ المبلغ المرصود للإحتفالية المذكورة سيرتفع إلى 16 مليون دولار برصد مولّدات خاصة تؤمّن الكهرباء 24/24.
«قد تحصل وقد لا تحصل» تتجاوز الكهرباء إلى سلسلة من الكهارب الأخرى من التلاعب والتقاتل والتطاول المذهبي وأمزجة الأحزاب وتضارب المصالح والقوانين الإنتخابية التي توفّق بين الناقض والمنقوض والقاتل والمقتول فالتغيير يأتي دوماً صناعة الغير.
حزينة تلك الإحتفالية يدخلها بقايا اللبنانيين وقد صار أولادهم وأحفادهم في بلاد الغير الواسعة أو في جحور الذل والفقر والضياع الشامل. خرجنا من الباب الذهبي لجمهوريتنا الأولى المستوردة فرنسيّاً محفوفةً بالمحامين ورجال القانون الى الجمهورية الثانية التي مارسها وعاين أمراضها الكثيرة المزمنة ممثلون من الأطباء ورجال الأعمال وتجار أصحاب الوكالات الحصرية، وكأننا بلبنان خرج يومها من العدليات الى المستشفيات ومن الصراخ بالتغيير قبل قتل المواطنين واحتقار الغير، وشيوع المذهبية والفساد والضياع والجهل.
نعم الجهل الشعبي الشامل إذ يمكن تحدّي اللبنانيين المتحمسين للإنتخابات وحتى بعض المرشحين إلى أي طائفةٍ انتموا أن يشرحوا للناس القانون التفضيلي المعتمد في اختيار البرلمان الجديد. يختصر الدكتور بشارة حنّا في دراسةٍ إحصائية بالقول:«إنّها كارثة تتكرر، لأنّنا توصلنا إلى أن 91% من الناخبين وغيرهم في لبنان لا يفهمون قانون الإنتخابات ولا آليات احتساب نتائجه الشديدة التعقيد حتّى لبعض المرشحين».
كيف نكتب عندما يسأل طالبات وطلاّب سيتخرجون من الجامعة الوطنية المقفلة وأساتذتها يتظاهرون ساعات أمام المصارف يشحذون رواتبهم، يسألوننا عبر «الزوم»:
أيحق لنا وفقاً لهذا القانون أن ننتخب مرشحاَ من غير مذهبنا؟ ما معنى الصوت التفضيلي وأسبابه ونتائجه عند تفضيل مرشح على آخر؟ ما المقصود بالحواصل الإنتخابية 1و2و3 ؟ هل هذا قانون فعلاً عصري وهو يحرمني من الإقتراع لأنني ما بلغت ال21؟ هذا قانون دوّار يدور باللبنانيين كما دواليب اللوتو بكراتها الصفراء إيهاماُ بالنتائج الغريبة العجيبة الصغيرة والكبيرة ألتي تقزم مقدرات الدولة والمراقبة. نعم ذكّرني بأن الدولة بقيت أشهراً في ال 1992 تعلّم الناس كيف يلعبون اللوتو،نعم اللوتو اللعبة الفرنسية التي استوردتها من فرنسا لتُراكم الأحلام بربح الملايين، لكنها لم تشرح لهم كلمة واحدة تتعلّق بالإنتخابات وقوانينها ومعانيها وروحها التي هجروها منذ ال1972. يلعب اللبنانيون بعد ثلاثين سنة اللوتو اليوم عبر أجهزة الخلوي حالمين الإقتراع حيثما كانوا، ويتفرّجون مندهشين أبداً حيال المسارح والوجوه الإنتخابية البرلمانية وشراء الأصوات وتجاوز حدود الإنفاق القانونية وهي لا تشي بملامح التغيير ولا بحصولها أو تأجيلها أو نسفها لأسباب وتحليلات وتوقعات الإغتيالات والحروب.
لقد تم تعييني المُفاجئ في الهيئة العليا التي ستشرف على هذه الإنتخابات النيابية في لبنان في منتصف شهر أيّار المقبل. صحيح أنّني أقسمت اليمين إيّاه أمام رئيس الجمهورية بعدما سبقني أعضاء الهيئة قائلين:
«يقوم كلّ عضو بعمله في هيئة الإشراف على الإنتخابات بكلّ أمانة وتجرّد وإخلاص واستقلال ويحرص على التقيّد تقيّداً مطلقاً بالقوانين والأنظمة ولا سيّما تلك التي ترعى الإنتخابات، تأميناً لحريتها ونزاهتها وشفافيتها»،
وصحيح أنني نشرت هذا المقال قبل القسم لأنه يحظّر علينا القيام بأي عمل أو نشاط يتعارض مع مهام الهيئة وحيادها ، بل الإمتناع عن القاء أي محاضرة أو المشاركة في أي ندوة أو الإدلاء بأي تصريح يتعلق بالإنتخابات وغيرها، لكنّ الأصح أيضاً وأيضاً أن فكرة الإشراف على الإنتخابات مستوردة وهي محترمة في العديد من الدول الأوروبية،وقد تابعتها خلال الشهر الماضي في فرنسا في احتفالية انتخاب رئيس الجمهورية الفرنسية، لكنها تبدو لي عصيّة عندنا ويصعب التوفيق بين قسمها وانقساماتنا في لبنان يتقدم الخارج فيه على الداخل المبعثر.
ومع هذا إنها خطوة رائعة في بناء ديمقراطية الإنتخابات.