Site icon IMLebanon

لماذا التشكيك بحصول الانتخابات؟

 

 

لم يجد كلام الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله حول تشكيكه بحصول الانتخابات النيابية في إطلالته الاخيرة أي تفسير واضح حول خلفياته الحقيقية. صحيح انّه وجّه أصابع الإتهام الى الاميركيين والفريق اللبناني المتحالف معهم، الّا أنّه بات واضحاً وثابتاً للجميع أنّ الانتخابات النيابية حاصلة في موعدها المحدّد، وانّ القوى السياسية تتحرّك بكل قواها لخوضها.

لكن اللافت انّ كلام السيد نصرالله تزامن مع اكثر من حدث قد يصح الربط به.

 

هو جاء بعد الإعلان عن جلسة المصالحة بين رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل ورئيس تيار «المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية، تلبية لدعوة الامين العام لـ«حزب الله». وقد ادّى الإعلان عن هذا اللقاء إلى ردود فعل كثيرة، خصوصاً على المستويين الإعلامي والشعبي. فهل كان المقصود نقل الصورة الى اتجاه آخر؟

 

كذلك، فإنّ «تشكيك» السيد نصرالله تزامن مع عودة السفير السعودي الى لبنان، والتي دشنها بلقاء غير معلن مع الرئيس فؤاد السنيورة، وهو الذي كان مهّد لعودته باتصال هاتفي مع السنيورة ايضاً.

 

وعلى الرغم من النفي الذي تردّد مراراً حول الربط بين العودة السعودية الى لبنان والانتخابات النيابية، الّا أنّ من الواضح وجود توجّه لإعادة استنهاض، خصوصاً الساحة السنّية، في الاستحقاق النيابي المنتظر. وتروي أوساط سياسية متابعة، عن وجود قرار باستعادة التوازن السياسي للمشهد اللبناني، بعدما ادّى خروج الرئيس سعد الحريري ومعه تيار «المستقبل» من العمل السياسي إلى خلل واضح في موازين القوى وإلى فراغ واضح، عمل «حزب الله» على الاستفادة منه وتوظيفه لمصلحته انتخابياً. فهل المقصود إرسال إشارات الامتعاض من الدخول السعودي على خط الانتخابات النيابية؟

 

وقد يكون كلام السيد نصرالله يهدف الى خلق بلبلة في صفوف المجموعات المعارضة له، والتي تكتنفها في الأساس فوضى التنافس والتشتت والتعدّد القاتل في عدد اللوائح، والشراهة في زيادة مكاسب ومقاعد كل مجموعة وفئة.

 

في كل الحالات، فإنّ موعد فتح صناديق الاقتراع لم يعد بعيداً، وسط إقتناع ثابت بأنّ الانتخابات حاصلة ولا مجال لتأجيلها. وخلال الايام الماضية نقلت مصادر مطلعة، ارتياح الأوساط الديبلوماسية الفرنسية الى نجاحها في تحقيق مسألتين أساسيتين: الاولى، وتتعلق بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ولو انّه لا تزال هنالك مسائل يجب استكمالها، مثل إقرار مشروع قانون «الكابيتال كونترول»، وإقرار موازنة اصلاحية. والثانية، تتعلق بعودة السفير السعودي الى لبنان، لمواكبة الانتخابات النيابية المقبلة، وتحضيراً لمرحلة ما بعد الانتخابات وهي المسألة الأساس.

 

فثمة حقبة جديدة تنتظر المنطقة، وخصوصاً الدول التي تؤلف منطقة شرق البحر الابيض المتوسط. فالنزاعات التاريخية بين هذه الدول والتي تخلّلتها حروب دموية، لم تمنع إحداث تغيير هائل في العلاقات بين بعضها ببعض، عززها ما بات يُعرف بـ«اتفاقيات ابراهيم»، والتي تكاد تجعل من اسرائيل موقعاً أساسياً وطبيعياً بين دول المنطقة على حساب الدولة الفلسطينية. تكفي الإشارة الى انّ بيع السلاح الاسرائيلي للدول العربية بلغ مليار دولار. لذلك عملت الولايات المتحدة الاميركية خلال المراحل الماضية على التركيز على تفكيك حالات العداء التي كانت قائمة بين دول المنطقة واسرائيل، كمدخل لإنجاز الحلول لثروة الغاز شرق البحر المتوسط. وهو ما يعني انّ ملف الترسيم البحري للبنان سيكون في صلب مهمات السلطة الجديدة، والتي من المفترض ان تبدأ مع وصول رئيس جديد للجمهورية اللبنانية. ومن المنطقي الاستنتاج أنّ اتفاقاً بالعمق سيسبق انتخاب الرئيس المقبل، على ان يشمل هذا الاتفاق ترتيباً كاملاً يسمح بترسيخ مرحلة ولو مؤقتة من الاستقرار.

 

والواضح ايضاً، انّ فرنسا حجزت لنفسها دوراً في لبنان، وكانت باكورته من خلال تلزيم الشركة الفرنسية تشغيل محطة الحاويات وصيانتها في مرفأ بيروت لمدة عشر سنوات بإشراف وزير الاشغال العامة علي حميه الذي سمّاه الثنائي الشيعي في الحكومة. لكن الدور الفرنسي امام «قطوع» الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، مع تقلّص الفارق بين الرئيس ايمانويل ماكرون وغريمته مارين لوبن والتي تمثل اليمين المتطرف.

 

واللافت في هذا المجال، انّ الاسرائيليين الذين يحملون الجنسية الفرنسية اقترعوا في الدورة الاولى لمصلحة المرشح المتطرف إريك زيمور بنسبة 53,5%، وجاء ماكرون في المرتبة الثانية بنسبة 31,7%. لكن الامتحان الأهم يبقى في اوكرانيا، ويُخطئ من يعتقد انّ الحرب الدائرة في اوكرانيا هي أزمة اوروبية فقط، فعلياً هي ازمة عالمية وتطاول خصوصاً الشرق الاوسط. وخلال اليومين الماضيين اعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّ روسيا ليس لديها خيار سوى إخضاع اوكرانيا، فهذا هو القرار الصحيح.

 

وهو ما يعني انّ روسيا استغلت المرحلة الماضية والمفاوضات التي حصلت لإعادة ترتيب برنامج حربها، من خلال الانسحاب من محيط كييف، لإخضاع كامل المنطقة الشرقية لأوكرانيا. لذلك تعمل روسيا على إعادة تعزيز قواتها في منطقة دونباس تحضيراً لهجوم كبير. فهي تريد السيطرة على شرق اوكرانيا قبل التاسع من ايار المقبل للاحتفال بانتصارها.

 

والأهم انّها تريد إحكام سيطرتها على الجزء الساحلي بكامله، ما يعزز نفوذها البحري وصولاً الى الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط.

 

وعلى سبيل المثال، فإنّ تركيا التي ترصد باهتمام مصير الساحل الاوكراني، تدرك انّه لا يمكنها مناقشة تعاونها مع اسرائيل ومصر في مجال الطاقة، بمعزل عن نتائج هذه المعركة والاعتماد الدولي على غاز روسيا.

 

في موازاة ذلك، تعمل الإدارة الاميركية على درس توازن خطواتها بين استنزاف روسيا في اوكرانيا والحاجة الى نفوذها في سوريا.

 

صحيح انّ جهود بايدن ضد الغزو الروسي لأوكرانيا انتجت إشادة داخلية واسعة بسبب حسن التصرف و»قيادة» الحلفاء الاوروبيين، لكن ذلك لم يُترجم في المحافظة على ارتفاع شعبية الإدارة الديموقراطية على ابواب الانتخابات النصفية. فالتذمّر لدى الاميركيين يتصاعد حيال التضخم الذي يبدو خارجاً عن السيطرة، واستمرار الهجرة غير الشرعية بمعدل 18000 مهاجر يومياً، إضافة الى آثار كورونا على الاقتصاد وحرب اوكرانيا التي رفعت اسعار المشتقات النفطية، على الرغم من قرار البيت الابيض بالإفراج عن زهاء مليون برميل نقط يومياً من الاحتياطي الاستراتيجي.

 

رغم ذلك تبقى الصورة الانتخابية قاتمة بالنسبة الى الديموقراطيين، وهو ما يُلزم واشنطن بالاستدارة بقوة اكبر في اتجاه الشرق الاوسط لإيجاد حلول للطاقة والنفط، طالما انّ الحرب في اوكرانيا تبدو طويلة. وهذا ما يعيد البحث الى نقطة الانطلاق، اي الى الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وإرساء واقع ثابت يدفع بالدول النفطية الى رفع مستوى انتاجها للنفط، وترتيب الإخراج المطلوب للاتفاق النووي مع ايران، ولكن مع محاذرة المسّ بالتوازنات السياسية التي وضعها كأساس لإعادة رسم خريطة النفوذ السياسي الجديد لمحاور المنطقة.