الدعم مالي وتقني لإجراء إنتخابات شفّافة ونزيهة.. وعين المجتمع الدولي على الشعب للتغيير
في الوقت الذي تتحضّر فيه الأحزاب والقوى السياسية والمجتمع المدني لخوض الإنتخابات النيابية المرتقبة في 15 أيّار المقبل، وقبله في 6 و8 منه في الدول العربية والغربية، بدأت بعثة الإتحاد الأوروبي بتنفيذ ما وعدت به الدولة اللبنانية عن طريق وزارة الداخلية، لجهة مراقبة هذه الإنتخابات لكي تحصل بطريقة شفّافة وعادلة ونزيهة. علماً بأنّ أربع دورات سابقة قد جرت مراقبتها من قبل مراقبين دوليين، من أوروبيين وسواهم، نتج عنها كتابة تقارير شاملة، ومجموعة من التوصيات بهدف سدّ بعض الثغرات وتصحيح الأداء في الدورات اللاحقة.. ولكن معظم هذه التوصيات يتعلّق بتعديل القانون الإنتخابي نفسه القائم اليوم على النسبية في 15 دائرة انتخابية وصوت تفضيلي واحد، والذي لم يُعطِ، على سبيل المثال، أي كوتا نسائية للمرأة اللبنانية، على ما نصّت عليه إحدى توصيات تقرير البعثة الأوروبية، ما جعلها تخوض هذه الإنتخابات على بعض اللوائح دون سواها..
مصادر سياسية مطّلعة أكّدت أنّ عضو البرلمان الأوروبي جيورجي هولفيني الذي جرى تعيينه كبير مراقبي البعثة الأوروبية لمراقبة الإنتخابات، قد زار لبنان لستّة أيام وغادره منذ أيّام معدودة، والتقى خلاله زيارته هذه بالمسؤولين اللبنانيين ورؤساء الأحزاب، ورجال الدين ومنظمات المجتمع المدني وهيئة الإشراف على الانتخابات والسلطات المعنيّة، كما بالفريق الرئيسي لمحلّلي الإنتخابات التابع للإتحاد الأوروبي، معلناً بعد ذلك بدء عمل البعثة رسمياً (في 11 نيسان الجاري). وأشارت الى أنّ البعثة الأوروبية ستقوم بمراقبة الإنتخابات اللبنانية للمرة الرابعة على التوالي بعد مراقبتها لها في الدورات السابقة في الأعوام 2005 و2009 و2018، ولهذا، أصبحت معتادة على نمط معيّن في المراقبة، وفي توزيع فريقها على الدوائر الإنتخابية، كما على أقلام الإقتراع.
وأوضحت المصادر أنّ البعثة تتألّف من مجموعة مختلفة من المراقبين الذين يبلغ عددهم ككلّ 80 مراقباً، ويتألّف الفريق الرئيسي لمحلّلي الإنتخابات من 10 خبراء إنتخابيين يغطون مختلف جوانب العملية الانتخابية. وقد انضمّ لهذه البعثة 30 مراقباً منذ أيّام، على أن تكون مهمتهم طويلة الأمد في المناطق وذلك لمتابعة الحملات الإنتخابية التي بدأت تشهدها الدوائر الإنتخابية كافة، كما سينضمّ 40 مراقباً إلى البعثة بفترة قصيرة تقتصر على يوم الإنتخابات لمراقبة عمليات الإقتراع والتصويت والفرز، كما يُغطّي فريق المراقبين عمليات التصويت في الخارج في عدد من دول الخارج حيث تُقيم فيها أعداد كبيرة من المغتربين اللبنانيين.
وأضافت المصادر نفسها، بأنّ البعثة اعتادت على إصدار بيان أوّلي لها لنتائج مراقبتها بعد 48 ساعة من يوم الإنتخاب، تماشياً مع منهجية الإتحاد الأوروبي لمراقبة الإنتخابات، على أن تنشر تقريرها النهائي بعد شهر أو إثنين من انتهاء العملية الإنتخابية بأكملها، والذي يتضمّن تقييماً شاملاً ونهائياً للعملية الانتخابية ومجموعة من التوصيات بشأن الإصلاحات لتحسين الإنتخابات في الدورات اللاحقة.
ولا يقتصر عمل البعثة الأوروبية على مراقبة الإنتخابات لتأمين نزاهتها وشفافيتها، على ما عقّبت المصادر، إنّما يمتدّ الى مساعدة لبنان مالياً وتقنياً من أجل إجراء العملية الإنتخابية في مواعيدها الدستورية، لا سيما في ظلّ الظروف الإقتصادية الصعبة التي يمرّ بها البلد. ولهذا توفّر البعثة قدراً كبيراً من الدعم المالي والتقني والسياسي للتحضير لهذه العملية، من خلال تأمين كلّ المستلزمات والإحتياجات اللازمة للمراكز الإنتخابية ولأقلام الإقتراع.
وتقول المصادر بأنّ البعثة تدعم لبنان لإجراء الإنتخابات كونها حقّاً دستورياً لجميع اللبنانيين، ورغبة منها بإحداث التغيير الذي عبّر عنه الشعب اللبناني في ثورة 17 تشرين الأول من العام 2019. وانطلاقاً من هذا الحقّ الديموقراطي تأمل أن يستكمل لبنان الإصلاحات الضرورية اللازمة لما فيه خير وسلام الشعب والبلاد، كما تجد بأنّ الحفاظ على الأمن والإستقرار هو أولوية في لبنان، لهذا تسعى الى حصول الإنتخابات في جوّ من الهدوء، بعيداً عن المشاحنات السياسية والطائفية.
في المقابل، لفتت المصادر عينها الى أنّ الإرتفاع في عدد المرشّحين الذي وصل الى 1043 مرشّحاً، وتراجع الى نحو ألف مرشح، بعد سحب بعض الترشيحات، قد أدخل المزيد من الأموال الى خزينة الدولة، سيما وأنّ رسم الترشّح بلغ 30 مليون ليرة لبنانية، بعد أن كان يقتصر على 8 ملايين في الدورة الماضية.. غير أنّ هذا الأمر لم يسدّ حاجة الدولة الى النفقات الإنتخابية بشكل كامل، ما جعل البعثة تمدّ يدها للمساعدة في هذا الإطار.
وبرأي المصادر، أنّ الإرتفاع في أعداد المرشّحين وزيادة رسم الترشّح الى 30 مليون ليرة لبنانية أدخل المزيد من الأموال الى خزينة الدولة التي تفتقر حالياً الى المبلغ المطلوب للنفقات الإنتخابية. علماً بأنّ الرسم المدفوع لا يُستردّ سواء سحب المرشّح ترشّحه، أو فاز في الإنتخابات، أو حاز على 20 % من أصوات المقترعين، خلافاً لما جرى في العام 2009 إذ بلغ رسم الترشح مليونين ليرة لا يسترده المرشح و6 ملايين ليرة ضمان الترشّح يستردّه في حال فاز أو نالـ 20% من أصوات المقترعين. كما كان يسترد نصف المبلغ في حال رجع عن ترشّحه قبل 45 يوماً من موعد الإقتراع.
وذكرت المصادر بأنّ البعثة تخشى حصول مقاطعة سنيّة للإنتخابات بعد تعليق رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري وتيّاره السياسي أي «تيّار المستقبل» العمل السياسي، ومن ضمنه خوض المعركة النيابية، رغم أنّ دول الإتحاد الأوروبي لم تحرك ساكناً عندما اتخذ الحريري قرار الإبتعاد عن المشهد السياسي. غير أنّ ما يهمّها هو أن يقوم الشعب بالتعبير عن رأيه في صناديق الإقتراع لإيصال ممثليه الفعليين الى الندوة البرلمانية من دون أي تأثيرات أو ضغوطات خارجية على موقفه. علماً بأنّ المال الإنتخابي بدأ يُدفع في مناطق عدّة، وبصورة ظاهرة للعيان، من أجل استمالة أكبر عدد من الناخبين.. وهذا الأمر يدخل ضمن مراقبة العملية الإنتخابية لجهة تشويه مصداقيتها ونزاهتها.
وتتمنّى البعثة، على ما نقلت المصادر، أن يكون الإقبال كبيراً على الإنتخابات، وتكون حجم المشاركة فيها، في الداخل والخارج، أكثر ممّا كانت عليه في الدورة الماضية، إذ بلغت 49.7 %، وألّا تقوم أي شريحة لبنانية بمقاطعتها، بل التعبير عن موقفها بالإقتراع لكلّ من تجده مناسباً وممثلاً لها. فالمجتمع الدولي يُراقب الإنتخابات، وعينه على كلمة الشعب لإحداث التغيير المنشود، من خلال عملية شفّافة ونزيهة.. فهل تصدق توقّعاته؟!