Site icon IMLebanon

لا لاستدامة العهد الكارثي!

 

تبدو الأيّام القليلة والمعدودة الفاصلة عن إجراء الإنتخابات النيابيّة المرتقبة (ما لم يفتعل محور الممانعة أي مفاجأة لتطييرها في الساعات الأخيرة)، غير كافية لإقرار الإصلاحات المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي وهيئات التمويل العربيّة والدوليّة، التي باتت جميعها تربط أية مساعدة مستقبليّة للبنان بسلوكه هذا المسار الإصلاحي المنتظر منذ سنوات دون جدوى.

 

كان يمكن لهذه الفترة الزمنيّة المتبقية أن تكون كافية لولا الأداء اللامسؤول الذي تمارسه القوى القابضة على زمام السلطة والتي تتمثل بـ»التيّار الوطني الحر» وحليفه «حزب الله» كل لإعتباراته ومن موقعه، ولكن النتيجة واحدة: المزيد من التقهقر والتراجع على المستويات الإقتصاديّة والاجتماعيّة والمعيشيّة.

 

بالإضافة إلى القلق الذي يعتري تلك الأطراف من الإنتخابات النيابيّة المرتقبة لا سيّما في الشارع المسيحي، إذا جاز التعبير، فثمة جهود يبذلها رئيس الجمهوريّة وصهره على خط المعركة الرئاسيّة المقبلة التي يُراد أن تفضي إلى إيصال رئيس التيّار إلى قصر بعبدا. التعثر الذي يطال ملف ترسيم الحدود البحريّة ليس بعيداً عن هذا المسار والعقم الأساسي يرتبط بكيفيّة توظيف التيّار لهذه المفاوضات لمصلحة الانتخابات الرئاسيّة المقبلة.

 

إذا كانت الرئاسة اللبنانيّة صعبة المنال من قبل المرشحين الطامحين، وهم كثر، ما لم تتبلور من خلال تسوية رئاسيّة محليّة وإقليميّة ودوليّة كما دلت كل التجارب التاريخيّة السابقة؛ إلا أن المطلوب التفكير الجدي في عناصر أي تسوية مقبلة على قاعدة ألا تكون مماثلة لتسوية 2016، التي أفضت إلى وصول رئيس إلى بعبدا قلما إكترث إلى المصلحة الوطنيّة العليا بقدر إهتمامه إلى مصالحه الخاصة.

 

كما أن السعي الحثيث من قبل قوى الممانعة لأن تختار رئيساً من صفوفها من شأنه أن يفاقم حجم المشاكل الكبرى التي مر ويمر بها لبنان، لا سيّما على صعيد تشويه الهوية الوطنيّة وفقدان السيادة وإنتهاك مقوماتها ومرتكزاتها وصولاً إلى تضييق الهامش، إن لم يكن إسقاطه نهائياً، بين الخطاب الرسمي للدولة اللبنانيّة وبين قوى الممانعة والمقاومة كما فعل الرئيس ميشال عون.

 

لقد أدّى هذا الاسقاط إلى الخروج العربي من لبنان، وإلى قطيعة غير مسبوقة، وإلى إستلحاق لبناني مهين إلى المحور السوري- الإيراني، لا يقتصر على إستدعاء المرشحين إلى السفارات والإصرار على إلتقاط الصور التذكاريّة المهينة لهم، بل يمتد إلى محاولة شطب خلافات سياسيّة عميقة بين مكونات متناقضة إنما تنتمي إلى الخط ذاته.

 

من أجل كل ذلك، لا يمكن الإنتقاص من ضرورة الإستعداد الجيّد للمعركة الرئاسيّة التي من المفترض أن تنطلق بعد إنجاز الاستحقاق النيابي المرتقب مباشرة، وعلى قاعدة رفض إستنباط أية بدع دستوريّة لا تعدو كونها هرطقة، مثل «عدم تسليم الفراغ» أو ما شابه من الذرائع الفارغة والواهية التي ترمي، بشكل أو بآخر، إلى إستدامة العهد الكارثي الحالي بكل فشله ومساوئه.

 

بين الانتخابات النيابيّة والإنتخابات الرئاسيّة، يُعاد تشكيل المشهد السياسي الداخلي وفق موازين قوى وحسابات جديدة، من شأنها أن تترك تأثيرات على المدى الطويل تتصل بمدى القدرة على إستنهاض الحلول وإطلاق عمليّة الإصلاح والسعي للتغيير الحقيقي، بعيداً عن الشعارات الشعبويّة المستهلكة التي لم تؤدِ سوى إلى هلاك لبنان. لم يعد ثمّة مساحة زمنيّة حقيقيّة للمناورة والتلاعب والتجاذب السياسي وضرب المصالح الوطنيّة عرض الحائط.

 

لقد ضاقت الهوامش أمام الجميع، والمطلوب من الناخب اللبناني أن يحدّد خياراته السياسيّة بدقة، وأن يصوّت لصالح السيادة الوطنيّة والحريّة والاستقلال والتعدديّة، بدل أن يصوّت لصالح التبعيّة والأجندات الإقليميّة والمشاريع المشبوهة. الناخب اللبناني يملك ما يكفي من الوعي والمسؤوليّة!