في شحيم، عاصمة إقليم الخروب، تبدو المعركة مفتوحة. صور ومكاتب متلاصقة وفود وزيارات يومية إلى المنازل. المفاتيح الإنتخابية بغالبيتها شمّرت عن زنودها للنزول إلى الأرض. في بلدة «القضاة والعمداء» من المتوقع أن يُشارك في الإنتخابات بين 6000 و7000 ناخب من أصل نحو 17 ألفاً لا يشارك كثيرون منهم بسبب عملهم في السلك العسكري، فيما المعركة على المقعد السني محتدمة بين مرشحين من «الجبّ» العائلي نفسه
تختلف انتخابات 2018 في بلدة الـ95 قاضياً (10% من قضاة لبنان) عن انتخابات اليوم التي تأخذ طابعاً عائلياً بامتياز. إذ أنّ لعائلة عبدالله، وهي أكبر عائلات بلدة شحيم، مرشحَين: بلال عبدالله عن الحزب التقدمي الاشتراكي، وأحمد نجم الدين (آل نجم الدين من جبّ آل عبدالله) عن «جمعية المشاريع الخيريّة الاسلامية.
يعني ذلك أن الأصوات الـ 1450 التي نالها النائب الحالي من عائلته في الدورة الماضية سيتقاسمها حكماً مع خصمه. والأخير ليس «مرشح الجمعية» على لائحة وئام وهاب فحسب، بل يتكئ على إرث والده الراحل حلمي نجم الدين، رئيس جمعية الفاروق ومدير العلاقات العامة السابق في شركة «خطيب وعلمي»، والذي يحفظ له أبناء البلدة أدواراً إنمائية واجتماعية، من بناء مسجد وخلية في البلدة وتقديم المساعدات، إلى تسلّمه ملف التنسيق بين الراحلين كمال جنبلاط وأنور الخطيب. وقد أكمل نجله مسيرة والده الذي توفي قبل سنوات، فاستمر في تمتين علاقاته مع أبناء بلدته ومع المهندسين في منطقته باعتباره مهندساً ومقاولاً ومنسّقاً للمهن الحرة في المنطقة. وعليه، فإن نجل «الحاج حلمي» وابن البيت الجنبلاطي يمكنه الدخول إلى بيوت قد تعصى على أي مرشحٍ شحيمي آخر على لائحة وهاب. وتشير التوقعات إلى أنه قد يحصل على أكثر من 700 صوت من آل عبدالله بعدما تشّكلت لجان داخل العائلة تجاهر بأن صوتها التفضيلي سيكون له.
لم ينفّذ جنبلاط مشروعاً إنمائياً في شحيم التي يسيطر على كل مفاصلها بما في ذلك حصة من المجلس الشرعي!
لن يكون نجم الدين الوحيد الذي سيغرف من صحن «الدكتور بلال». لوئام وهاب أيضاً حصته. سرايا المقاومة التي صبّت أصواتها لعبدالله عام 2018 لاعتبارات عائليّة، لن تعيد الكرّة. علماً أن عدداً من المنتمين إلى «السرايا» هم من أبناء العائلة، ولبعضهم علاقة قرابة مباشرة مع بلال عبدالله كابن خاله مسؤول «السرايا» في شحيم هشام قداح. «السرايا»، ومن خلفها حزب الله، لم تحسم خيارها بعد، وإن كانت الأرجحية للائحة وهاب الذي دخل بثقله إلى عاصمة إقليم الخروب. فما كان ممنوعاً عليه في المعارك السابقة بات متاحاً اليوم. مكتبه في البلدة مشرّع الأبواب، ويتردد أنه سينطلق من 600 صوت تفضيلي. علماً أن زعيم تيار التوحيد بدأ منذ سنوات في تمهيد أرضية عمل في شحيم، عبر توطيد العلاقات وتقديم حصص غذائيّة ومعونات طبيّة. ولا ينكر المسؤول الإعلامي لـ«التوحيد» هشام الأعور أن مناصري وهاب باتوا يتمتّعون بحرية حركة أكبر داخل البلدة، إذ أن «بيئة شحيم بيئة قومية – ناصرية حافظ العديد من السياسيين كأنور الخطيب على خطها السياسي ونحن اليوم نعمل على إحياء هذا الخط»، مشدداً على أنّ «زمن الديكتاتورية ولى إلى غير رجعة».
وإلى جانب وهاب، لناجي البستاني أرضيّة صلبة أيضاً في «بلدة القضاة والعمداء»، بناها ووطّدها بعلاقات شخصية مع عائلاتها منذ الستينيات. وإذا كان ناجي البستاني قديم العهد في العمل في شحيم، فإن لابن بلدته فريد البستاني أيضاً مكتباً له فيها، وإن كان البعض يشير إلى أنّ أنصار الأخير هم من «أنصار الدولار»!
انتفاضة على جنبلاط
كلّ ذلك يشي بأنّ بلال عبدالله لم يعد يلعب وحيداً، لذا يعمل على استنهاض شارعه وعائلته. إذ يجاهر كثر من أبناء العائلة بأنّهم لن يعطوه أصواتهم، لافتين إلى مطالب كثيرة لم تتحقّق على مدى 4 سنوات، أهمها اللامركزية الإداريّة. إذ لا يزال أهالي شحيم محكومين بالذهاب إلى بيت الدين أو صيدا لاستصدار إخراج قيد أو سجل عدلي أو حتّى إجراء معاينة ميكانيكية لسياراتهم، ويتهمون «البيك» بأنه «لا يريد أن تكون لإقليم الخروب عاصمة حقيقية مفصولة عن الشوف الأعلى». والحديث عن الثورة على الهيمنة الجنبلاطية بدأ صداه يُسمع في شحيم. فالحزب التقدمي الاشتراكي لم ينفّذ في بلدتهم مشروعاً إنمائياً واحداً، فيما يسيطر على كلّ مفاصلها، من المخفر مروراً بالمجلس البلدي وصولاً إلى المشايخ، كما أنّ لجنبلاط حتّى حصته من أعضاء المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى!
وعبدالله في وضعٍ لا يُحسد عليه أيضاً بسبب النقمة العامة على أحزاب السلطة، ومن بينها الاشتراكي، من جراء الأزمة المعيشية. هذا ما يتبدّى من الزيارات التي يقوم فيها في مسقط رأسه وحتى ضمن عائلته. وهي جولات لم يقم بمثلها عام 2018. وهو يعمل على تشكيل لجان من العائلات السبع في شحيم لمساعدته في الجولات تحت شعار منع حزب الله من دخول البلدة عبر وئام وهاب ولائحته.
الوضع الحزبي أيضاً يشغل بال عبدالله الذي حاول استرضاء بعض «الحردانين» منه داخل الحزب الاشتراكي بسبب «تهميشهم»، لكنه بالنتيجة خسر بعض المفاتيح الانتخابية التي عملت لمصلحته في الانتخابات الماضية، من بينهم رئيس البلدية السابق زيدان الصغير والشيخ إياد عبدالله اللذان أعلنا أنهما لن يكونا من ضمن ماكينته، علماً أنهما يعتبران من ضمن عائلته الصغيرة.
كما أن فقدان دعم الجماعة الإسلامية سيكون مؤثراً في ميزان مرشح الاشتراكي. إذ أن أصوات الجماعة الـ 1500 ستذهب هذه المرة إلى مرشحها على لائحة «سيادة وطن» محمد عمار الشمعة. ولم تُفلح قنوات التواصل مع الجماعة لسحب مرشحها ودعم عبدالله من تحت الطاولة، فأبقت على الشمعة وهدّدت بفصل أي قيادي يعمل لـ«الدكتور» سراً.
في المقابل، يؤكد كثيرون من أبناء شحيم أن صوتهم التفضيلي سيكون حتماً لصالح «وزير صحة شحيم والإقليم» بغض النظر عن انتمائه الحزبي والإحباط من أداء الاشتراكي. مئات العائلات أمّن «الدكتور» أسرّة لمرضاها في مستشفيات المنطقة، وتخفيضات على فواتيرها الاستشفائية في مستشفيي سبلين وعين وزين. كما أن عمله إبّان أزمة كورونا كان «استثنائياً»، إذ كان على تماس مع سائر قرى الشوف والإقليم لتأمين مواد التعقيم والماكينات الطبية، و«أقل شي برد علينا على التلفون».
وإذا كان البعض ينوّه بالدور الخدماتي لعبدالله، فإن البعض الآخر يأخذ عليه «تكريس زبائنية يستفيد منها حزبه بعدما سخّر مستشفيات المنطقة للحفاظ على ولاء الناخبين»، لافتين إلى أن مستشفى سبلين، مثلاً، وصل إلى الإفلاس جراء هذه الخدمات. وهو ما ينفيه مسؤولو الاشتراكي، معتبرين أن دور الحزب هو تلبية حاجات المواطنين في ظل غياب الدولة وعدم وجود نظام استشفائي شامل. ويشدّد مسؤول الاشتراكي في شحيم طارق عبدالله على أنّ «الدكتور نجح في بناء حيثيته في المنطقة بسبب جهوده الشخصية والحزبية»، لافتاً إلى أنّ «شحيم ستبقى امتداداً للشوف الأعلى وتحافظ على تاريخها الجنبلاطي مانعةً دخول بعض الشخصيات التي لا تشبهنا بطريقة لا تشبهنا، أي عبر المال الانتخابي».
ورغم الخسائر التي سيُمنى بها عبدالله داخل مسقط رأسه، إلا أنه يبقى الأقوى. لا منازع لـ«الدكتور» على مقعده، فيما يُحكى عن إمكانية استقطاب المستقبليين، ويُراهن الاشتراكيون على أن عزوف النائب محمد الحجار عن الترشح يعني إمكان أن تذهب الكثير من أصواته لمصلحة «لائحة الشراكة والإرادة»، وهذا ما يتبدّى من جولات عبدالله على أنصار المستقبل في شحيم.
«الحجاريون»
يشير البعض إلى أنّ عائلة الحجار (2600 صوت) لن تصب بغالبيتها لمصلحة عبدالله كما صبت لمصلحة محمد الحجار عام 2018 (نال منها 1300 صوت) بل ستذهب غالبية الأصوات لمصلحة المرشح على لائحة قوى التغيير محمد سامي الحجار الذي يُرجّح أن تعطيه العائلة حوالي 900 صوت.
كما أن للحجار حيثية داخل مسقط رأسه مستمدّة من تاريخ والده. وهو الذي ترشّح للانتخابات النيابية في العام 2018 وحافظ على خطابه على مدى 4 سنوات مستقطباً الشباب المعارض لأحزاب السلطة، من دون أن يتمكن من الترشح على لائحة «توحدنا للتغيير» التي تعد الأقوى من بين لوائح التغييرين.