الإنتخاب حق وواجب. ثمّة دول تفرضه بموجب قوانين نافذة وتجعل التخلف عن ممارسته يعرّض صاحبه لدفع جزية معيّنة، وربما في ذلك مبالغة ما، فالمطلوب من المواطنين ممارسة الإقتراع الديمقراطي بحريتهم الكاملة دون تقاعس عن أداء هذا الواجب لا سيّما في المنعطفات الوطنيّة المفصليّة كما هي الحال في الانتخابات النيابيّة المرتقبة.
لا يمكن للمواطن اللبناني أن يستخف بهذا الاستحقاق أو أن يشعر سلفاً أن الأمور تسير في الاتجاهات المرسومة لها دون أن يقوم بأي ردة فعل من خلال صندوق الاقتراع، ولا يمكن له أن يفكر حصراً بالهجرة إلى الخارج وباليأس سبيلاً لمواصلة حياته دون أن يسعى للحد الأدنى، إن لم يكن الأقصى، للتغيير. طبعاً، الوضع الإقتصادي والإجتماعي والمعيشي لا يُطاق، وهو من المفترض أن يكون دافعاً إضافيّاً للسعي نحو التغيير وليس العكس.
في قراءة بسيطة لواقع موازين القوى المحليّة (دون إغفال إمتداداتها الإقليميّة حتماً)، من غير المنطقي إشاحة النظر عن واقعة مهمة تتمثّل في أن تدني نسب التصويت في المناطق التي يحتدمُ فيها الصراع الإنتخابي ويتخّذ طابعاً وجوديّاً ومصيريّاً، من شأنه أن يؤدّي إلى تعميق الاختلالات البنيويّة في التركيبة الوطنيّة التي شوّهها محور الممانعة بمختلف فصائله وتيّاراته وصغاره.
يريد هذا المحور أن يمد يده إلى مختلف الشرائح الوطنيّة والإجتماعيّة بما يتخطى تحالفاته التقليديّة التي ينفذ من خلالها إلى بعض المساحات ويدجنها ويجعلها ملحقة به. يريد أن يقضي على المساحات الأخرى المتبقية التي تنادي بمبادئ وعناوين وترفع شعارات سياسيّة تتناقض مع طبيعة تكوينه مثل السيادة والاستقلال والحريّات العامة، التي يسعى بصورة مستمرة إلى تضييق هوامشها وإضعافها بهدف تحويل لبنان إلى دولة بوليسيّة تماثل دور المحور الإقليمي الذي يدور في فلكه ويفاخر به.
صحيحٌ أن ثمّة شعارات لبعض المعارك الإنتخابيّة قد يرى الناخب فيها تكراراً وإستعادة لشعاراتٍ مماثلة في دوراتٍ سابقة، ولكن الصحيح أيضاً أن المعركة إيّاها لا تزال مستمرة وأن التحديات التي كانت ماثلة أمام اللبنانيين في المحطات السابقة صارت أكثر صعوبة وتعقيداً، بفعل مواصلة محور الممانعة لسياساته القائمة على إزاحة كل أصوات الإعتراض من دربه بغية إحكام قبضته على بعض الشرائح الإجتماعيّة اللبنانيّة ومن ثم توسيعها نحو شرائح أخرى. لقمان سليم مثالاً.
من هنا، فإن المعركة تكتسبُ طابعاً وجوديّاً في هذه الدورة الإنتخابيّة. إما أن يوسع محور الممانعة سطوته على المؤسسات الدستوريّة بدءاً بالمجلس النيابي ومن ثم الحكومة تليها رئاسة الجمهوريّة، وإما أن ينجح اللبنانيون في فرض الحد الأدنى من التوازن الميثاقي والسياسي الذي يحول دون إستمرار سياسة خطف البلاد بكل مكوناتها.
عندما ينجح المحور في أن يحصد أكثريّة نيابيّة موصوفة، فإنه لن يكتفي بإعادة إحياء بدعة الثلث المعطل (التي صدّرها إلى العراق)، بل سيطالب بحصص وزاريّة موازية تتيح له الإمساك بناصية القرار الوزاري بعد القرار البرلماني، وعندئذٍ سيتمكن من تحويل مسارات البلاد بما هو أبعد من إشكاليّة شواطئ جونيه وجبيل التي تحدّث عنها أحدهم إلى ما هو أعمق وأكثر خطورة ويتصل بهويّة لبنان ومستقبله ودوره في المنطقة.
إذا كانت القوى والأندية الثوريّة قد قدّمت أسوأ نموذج في التزاحم الإنتخابي الإنتهازي الوصولي من خلال عشرات اللوائح التي تتدافع للدخول إلى السلطة التي كانت تنتقدها (بما يتعدّى التنافس الديمقراطي الصحي)، فحذار نفاذ محور الممانعة من باب هذا التعدد الهائل في اللوائح لإسقاط القوى الحقيقيّة التي تملك حيثيّات سياسيّة وشعبيّة قادرة على مواجهة المحور.
القرار بيد الناخبين اللبنانيين في مختلف الدوائر الإنتخابيّة. إنتبهوا!