IMLebanon

قانون الانتخاب نسبي والأداء أكثري

 

 

منذ أن أُقرّ قانون الانتخاب عام 2017، كان يفترض بالقوى السياسية التي نادت بالنسبية، أو ارتضت بها مختلطة مع الأكثري، أن تواكبه أداءً وممارسةً وترشيحاً واقتراعاً. في الدورة الثانية التي تجرى فيها الانتخابات على أساس هذا القانون، يمكن ملاحظة أداء القوى السياسية إزاءه في ظل ما تشهده حالياً من تفتت في الواقع السياسي والانتخابي.

 

من المفارقة أنه بعد دورة أولى جرت وفق القانون المختلط بين الأكثري والنسبي، لا يزال ناخبون يتعثرون في كيفية الانتخاب. ولا تزال هناك أسئلة تطرح في لقاءات انتخابية حول الاقتراع لمرشحين من لائحتين، وتشطيب مرشحين في اللائحة المنوي التصويت لها. لكن الأمر لا يتعلق بالناخبين فحسب، بل بالقوى السياسية التي تتصرف مع القانون كأنها لم تعد ترى فيه ما كانت تأمله منه، وتتصرف إزاءه والصوت التفضيلي على طريقة الأكثري. وفق ذلك تسجل سلسلة ملاحظات:

إن ارتضاء الجميع بالنسبية التي نادوا بها على أساس أنها مشروع تطويري ومتقدم يسمح للجميع بالتمثل، يظهر في الدورة الثانية أنه مفتعل. قد يكون السبب أنه في الدورة الماضية، أتت التسوية بالجميع الى طاولة التفاهمات الكثيرة التي صيغت حينها، وجرى إقرار القانون في اللحظات الأخيرة، فلم نشهد هذا الكمّ من التحديات ومن محاولات تقزيم خيارات الناخبين والتعرض لهم. اليوم تسنح الفرصة لتفلّت الجميع من التفاهمات وخوض حروب متعددة الاتجاهات. ويظهر تلقائياً أن فكرة المشاركة والنسبية بمعناها الحقيقي، ليست حقيقية في عقول القوى السياسية. ثمة زعماء أحزاب لا يزالون يتحدثون عن قبولهم بالقانون كأنه نوع من التضحية بحصصهم بغية إمراره فحسب. لكنهم فعلياً يتعاملون سياسياً مع تعدد اللوائح وطموحات قوى سياسية وممثلي مجتمع مدني أو مستقلين، بتشكيل لوائح أخرى، على قاعدة أن هناك من يأتي ليسلب حقهم في الترشح وحيدين في الدائرة. ويظهر أداء المرشحين الأساسيين في قوى حزبية نزعة إلغائية تجاه الخصم مهما كانت هويّته. وإلا كيف يمكن تفسير ما يحصل في الجنوب أو بعلبك ــــ الهرمل أو الشمال الثالثة. والأدهى أن هذه النزعة تحصل حتى تجاه زملاء اللائحة الواحدة، ومثال جزين واضح، حيث يحاول أعضاء في اللائحة الواحدة شن حرب شرسة ضد زملائهم أكثر من خصومهم. وهناك لوائح حزبية صافية يسعى مرشحون فيها الى اللعب على الوتر المذهبي أو الطائفي لضمان الحصول على المقعد ضد أحد شركائهم في اللائحة.

 

عملياً، قانون النسبية الحالي بلائحة مفتوحة يصبح أشبه بالنظام الأكثري داخل اللائحة الواحدة. لكن ما يحصل يتعدّى المفهوم العلمي. إذ تحوّل الصوت التفضيلي (وهنا نقاش يطول حول الدائرة التي يجب وضعه فيها، الصغرى أو الكبرى، وبعض الإصلاحات التي تطرح لتطوير القانون الحالي) الى معركة أكثرية لدى المرشحين والناخبين. وتظهر الصور المرفوعة على الطرق، صور المرشحين إفرادياً بأكثرية واضحة تطغى على صور اللوائح مجتمعة. هذا ليس تفصيلاً، فالنزعة الفردية لضمان فوز مرشح على آخر تطغى لدى قيادات الأحزاب والمرشحين كذلك، في ترويج شخصي على حساب اللائحة. حين يُسأل ناخبون من سينتخبون، لا يعرفون أسماء اللوائح التي سيصوّتون لها، بل يجيبون باسم المرشح الذي سيعطونه صوتهم التفضيلي وليس باسم اللائحة ككل. ثمة ناخبون يحددون سلفاً أنهم سينتخبون هذا المرشح أو ذاك، فيصبح الاقتراع على طريقة الأكثري وone man one vote. وهذا الأمر تغذّيه قيادات الأحزاب ولا تعارضه.

فمفهوم هذا النوع من التصويت يتعدّى حتى ما تقرره الأحزاب بالاقتراع التفضيلي لمرشح واحد حزبي على حساب آخرين. فبعض القوى السياسية تتعاطى مع أعضاء في اللائحة لجمع الحواصل، لكنها تتعاطى مع الاقتراع الفعلي سلفاً برغبتها في نجاح مرشحين محددين. وهذا يجعلها تعمل على جمع مرشحين من «درجة ثانية»، ولا سيما أن القانون كشف أنه ليس لدى القوى السياسية القوة الكبيرة التي تتوهّم أنها تملكها أو تعوّل الحصول عليها. ففي الدوائر التي يتحدث فيها البعض عن قوة أكبر من حجمه الحقيقي، اضطرّت أحزاب الى التعامل مع مرشحين لا تتعامل معهم عادة مهما كانت هويتهم ومواقعهم، من أجل تأمين ما يمكن تأمينه من أصوات، لتأمين الحاصل. وبعض المرشحين «تعاقدت» معهم اللوائح لتأمين 200 صوت، وأدخلت أسماء لم تكن عادة تسعى الى اجتذابها. قد يكون تيار المستقبل أو الطرف السنّي اليوم في ظل مقاطعة المستقبل الطرف الأكثر انتشاراً أفقياً من الشمال الى الجنوب والبقاع وجبل لبنان وبيروت. ما عدا السنّة، أظهر القانون مكامن عجز القوى السياسية والطائفية عن الحضور الحقيقي في كل المناطق وسعيها الى افتعال حجم أكبر من واقعها الحقيقي في كل الدوائر.

 

من الصعب تجاوز ارتياح قوى من المعارضة والمجتمع المدني للنسبية والتصرّف على أساسها والرهان على فوزهم من خلال هذا القانون. لكن هؤلاء يبقون قلّة في المشهد العام. إذ بين نزعات الإلغاء والبلوكات الانتخابية الحزبية لمرشحين محددين، سيكون الناخبون على موعد مع تركيبات متشابهة، في حين أن ما كان يرجى من النسبية مرجّح أن يضيع للمرة الثانية، لولا بعض من فسحات الأمل في دوائر محدودة.