ستة أيام ويحل الاختبار الكبير، الذي بعده سيمكن التأكد ما إذا كانت فئة وازنة من اللبنانيين، ستقود رحلة التغيير الصعب، أو أنها ستختفي وتنزوي في المقاطعة والحرد والانكفاء الذي هو الطريق الأسهل إلى مشاهدة وطن تنهار أجزاؤه الواحد تلو الآخر، بما لا يعود بالإمكان إصلاحه أو إعادته إلى الحياة.
ستة أيام سيختلي بها اللبنانيون مع أنفسهم، ليقرروا. فإذا أقدموا كان في 16 أيار أمل جديد، ومنصة للبدء بالعمل الجاد، وإلا فإن انتظارهم المميت لن يكون لأربع سنوات مقبلة فقط، بل يمكن أن يركن على رصيف التاريخ، مع الأحلام التي رحلت، والآمال التي لم يعد لها مكان في الواقع.
ما قام به لبنانيو الاغتراب، كان درساً في الاندفاع والتصميم، ونموذجاً موجهاً إلى الداخل، إلى المقيمين، إنّه درس أولى خلاصاته: إرفعوا رأسكم يا إخوتي، فخلاصكم بأيديكم، والتغيير ينتزع انتزاعاً.
هذا الدرس تتجاوز أهميته المشاركة الكثيفة، والترجمات العملية في الدوائر رفعاً للحواصل، إلى رفع المعنويات والهمم وصقل الثقة بالنفس وبالقدرة على التغيير بالصناديق وبالأصوات الحرة. هذه المشاهد لمواطنين لبنانيين أحرار يصوّتون لتحديد مستقبل بلدهم، من كل عواصم العالم، يفترض أن تدخل إلى أعماق كل لبناني مقيم، ليخلص إلى أنه «نعم يستطيع»، إن تحرر وإن واجه.
وعليه، سيؤثر هذا المشهد الاغترابي على نسبة التصويت وسيرفع نسبة المشاركة في الداخل، وهذا هو المغزى من تمكين الاغتراب اللبناني من التصويت، في كل الدوائر وليس في سجن المقاعد الاغترابية الستة، الذي كان يريد فريق الرئيس عون أن يضع الاغتراب فيه، مدّعياً أنه يؤمّن مصلحة هذا الاغتراب.
قبل ستة أيام على الاختبار الكبير، لا بدّ للناخب اللبناني أن يدرك أن مشاركته ستحدد مصيره، ذلك من دون الغرق في المبالغات والتوقعات والأحلام الوردية. فهذه الانتخابات الاستثنائية التي فصل القانون فيها كسجن، وتجرى في ظل وجود مشروع السلاح والوصاية المهيمن، والتي يمكن أن تشهد تلاعباً في النتائج إذا غفت اليقظة، وضعت أكثرية وازنة من اللبنانيين، أمام مسؤولية إنقاذ أنفسهم من كابوس استمرار الواقع الحالي، المتحكّم به من منظومة السلاح التي تحمي الفساد وتحتمي به.
قبل ستة أيام على الاختبار الكبير، يحضّر «حزب الله» نفسه ووفق حساباته بنيل الأكثرية النيابية أي ما يفوق الـ65 نائباً، وهذا إن حصل سيؤدي إلى امتلاك الادعاء أمام العالم أجمع بأن قوة الحزب في لبنان ليست بامتلاكه السلاح وليست نابعة من كونه امتداداً لمشروع ايران بل لامتلاكه الأكثرية الشعبية والبرلمانية، وهذا سيترك له المجال للعمل بهدوء على تشكيل حكومة «وحدة وطنية» يترأسها نجيب ميقاتي أو من يقبل بلعب هذا الدور، وهذا ما سيسمح له أيضاً بتعطيل انتخاب رئيس جمهورية جديد إلا الذي سيختاره، وكل هذا سوف يتم بهدوء على وقع امتلاك الأغلبية البرلمانية، إيّاها التي تحدث عنها قاسم سليماني بعد انتخابات 2018 .
لن يكون الحزب مضطراً إذا امتلك الأغلبية النيابية، للتهويل بتشكيل حكومة من أحد حلفائه الفائزين حكماً كالنائب فيصل كرامي، أو غيره، فالهدف من الأغلبية ليس تشكيل حكومة حلفاء صافية، بل تشكيل الحكومة الواجهة التي تحكم شكلاً من السراي وفعلياً من الحزب، على أن يتحمّل رئيسها مسؤولية الجثة المرمية أرضاً بفعل الانهيار الكبير.
وقد يكون السؤال : وماذا إذا فازت القوى التي تواجه مشروع الحزب بالأكثرية النيابية، وكيف يمكن أن يوظف هذا الفوز في ظل الحضور الدائم للقمصان السود، سواء في تشكيل الحكومات أو في انتخابات الرئاسة؟
الأكيد أن هذا الفوز المفترض لن تكون ترجمته سهلة، لكنه سيكون بمثابة صوت قوي يخرج من بين الأنقاض، ليؤكد أمام العالم أجمع، أن في لبنان لا يزال هناك شعب حيّ وإرادة مستقلة، وأن هناك أحياء من الواجب مساعدتهم على استعادة أنفسهم ووطنهم، وهذا هو الاختبار الكبير.