شكّلت المرحلة الأولى من انتخابات العام 2022 التي جرت للبنانيين المقيمين في الدول العربية على مدى يوم الجمعة الفائت في 6 أيّار الجاري، حيث بلغت نسبة الإقتراع الإجمالي في 10 دول منها، 59.45% من نسبة الناخبين المسجّلين، ويوم الأحد المنصرم في 8 منه، وأتت النسبة منخفضة لما كان متوقّعاً في 48 دولة أميركية وأوروبية وافريقية، فضلاً عن الإمارات والمغرب وتركيا، “بروفا” جيّدة لانتخابات يوم الأحد المقبل في 15 الجاري المرتقبة في الداخل اللبناني. وبحسب لوائح الشطب الصادرة عن المديرية العامّة للأحوال الشخصية في وزارة الداخلية، فإنّ عدد الناخبين النهائي بلغ 3.967.307 ، ويتوقّع أن يقترع أكثر من نصفهم يوم الأحد المقبل، بحسب بعض المراقبين، ولا سيما أنّها المرّة الأولى التي تجري فيها الإنتخابات النيابية بعد “ثورة 17 تشرين” التي انتفضت على الطبقة السياسية الحاكمة ودعت الى “تغيير النظام”، كما بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 الذي أدّى الى تضرّر عائلات كبيرة في بيروت، بشرياً وماديّاً.
وتقول أوساط ديبلوماسية متابعة انّ البعض كان لا يزال يشكّك في إجراء العملية الإنتخابية، حتى قبل ساعات من انطلاق المرحلة الأولى منها في 58 بلداً في الخارج، غير أنّ إجراء الإنتخابات في موعدها، وفي سائر الدول التي تسجّل فيها اللبنانيون، وإن بنسب متفاوتة، فضلاً عن الإقبال على الإقتراع في دول عديدة منها، أظهرا أنّ المرحلة الثانية من الإنتخابات، والتي هي أكبر وأشمل بطبيعة الحال، إذ تضمّ نحو 4 ملايين ناخب في الداخل، ستجري أيضاً في موعدها الدستوري، وستمرّ على خير ما يُرام على غرار المرحلة الأولى، رغم كلّ الصعوبات الإقتصادية والمالية التي يعيشها البلد، وأثّرت سلباً في السفارات والبعثات والقنصليات اللبنانية في دول الخارج.
وتجد الاوساط أنّ المطلوب اليوم، لا سيما مع تخطّي كلّ العقبات لإجراء الإنتخابات يوم الأحد المقبل، الذي تتجه إليه الأنظار في الداخل والخارج، في ظلّ وجود المراقبين الدوليين من قبل البعثة الأوروبية، ومراقبة هيئة الإشراف على الإنتخابات لمدى التزام وسائل الإعلام البصرية والسمعية والمكتوبة بالقانون، وبالصمت الإنتخابي، أن يُقبل الناخبون في الداخل على الإقتراع، رغم غلاء المحروقات وعدم استحداث “الميغاسنتر” الذي كان بإمكانه أن يًسهّل على الناخب عملية الإقتراع في مكان إقامته بدلاً من أن يُضطر الى الإنتقال منه الى مكان القيد للإنتخاب. كذلك فالشكاوى التي أطلقها الشعب الثائر على الطبقة السياسية الحاكمة خلال انتفاضة 17 تشرين من العام 2019، وما تلاها من تظاهرات في الشارع، آن الأوان لإيجاد الحلول لها في صناديق الإقتراع من خلال انتخاب الممثلين الفعليين عنه في البرلمان الجديد.
وأشارت الأوساط نفسها الى أنّ المجتمع الدولي أو الدول المانحة التي تدعم لبنان، وعلى رأسها فرنسا، تؤكّد أنّه على اللبنانيين الإستفادة من هذه الفرصة التي لا تتاح أمامهم سوى مرّة كلّ 4 سنوات لممارسة حقّهم الديموقراطي في إيصال الممثلين عنهم الى الندوة البرلمانية، في حال كانوا يريدون فعلاً تحسين بلادهم وإنهاضها من الأزمة الإقتصادية والمالية غير المسبوقة التي ترزح تحتها. فلا أحد غيرهم باستطاعته إحداث التغيير، في حال كان هذا ما يودّونه فعلاً.
ورأت الاوساط أنّ أي صوت، في الخارج أو في الداخل، يؤثّر في العملية الإنتخابية ككلّ، وإن كان أكثر تأثيراً في بعض الدوائر الإنتخابية دون سواها. لهذا، على الناخبين ألّا يستخفّوا بأصواتهم وبقدرة هذه الأخيرة على إيصال ممثليهم الحقيقيين الى البرلمان. علماً بأنّ دوائر عديدة مثل زحلة، وكسروان – جبيل، والشمال الثالثة، وبيروت الثانية قد تتبدّل فيها النتائج بحسب نسبة إقبال الناخبين عليها، ما قد يغيّر الحاصل الإنتخابي أو يؤمّن الكسر الأعلى الذي قد تحتاجه بعض اللوائح الإنتخابية.
وبرأي الأوساط عينها أنّ الإنتخابات، على ما تنقل عن بعض سفراء دول الخارج، ستفرز مرجعيات سنيّة، بعد غياب رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري وتياره الأزرق عن المشهد السياسي، ومن ضمنه الإنتخابي. وإذا عرفت هذه الأخيرة التي ستتوزّع على بعض الدوائر كيف تتضامن في مجلس النوّاب من بعض قوى “التغيير”، فإنه باستطاعتها عندئذ أن تُفرز كتلة وازنة في مجلس النوّاب قادرة لاحقاً على إحداث التغيير الذي تدعمه دول الخارج.
كذلك فلا يمكن، بحسب رأي الاوساط، الإستهانة بعدد الناخبين الذين اقترعوا في دول الخارج، ولم يصدر العدد النهائي بشأنهم بعد بسبب التوقيت المتباين بين لبنان والدول الأميركية، والذي قد يتراوح بين 100 و130 ألف ناخب من أصل أكثر من 225 ألف مسجّل. فهذا العدد إذا تزايد في الدورات اللاحقة من الممكن أن يؤثّر بشكل أكبر في عدد من الدوائر الإنتخابية. علماً بأنّه كان يفترض أن ينتخب نحو 80% من المسجّلين، كونهم أقبلوا بحماسة على التسجيل، ولو فعلوا لتمكّنوا من قلب المشهد الانتخابي رأساً على عقب. أمّا انخفاض النسبة فسيجعل الأصوات تفقد تأثيرها الوازِن لأنها ستتوزّع على جميع اللوائح في كلّ دائرة من الدوائر الإنتخابية الـ 15. وهذا الأمر يؤدّي الى تأثير محدود قد لا يقلب المشهد ككلّ، على ما يتوقّع البعض من دول الخارج.
وأبدت الأوساط تخوّفها من أن يؤدّي المال الإنتخابي الذي يُصرف في بعض الدوائر التي ستشهد معارك حامية يوم الأحد المقبل، الى تردّد الناخبين في انتخاب ممثليهم الفعليين، رغم أنّ هذا الأمر قد يزيد من نسبة الإقبال على الإقتراع. كما لفتت الى أنّ 16 أيّار المقبل، سيكون يوم آخر في لبنان، فاز من فاز وخسر من خسر، وستعمل القوى المتضرّرة من القانون الإنتخابي الحالي رقم 44 الصادر في 17 حزيران 2017 على المطالبة بتعديله ليصبّ في مصلحتها في الدورات الإنتخابية اللاحقة.