معركة الإنتخابات النيابية ليست المعركة المصيرية بل محطة مهمة على الطريق إليها بعد الإنتخابات. وليس صحيحاً أن النتائج لا تغير شيئاً. الصحيح أن الرهائن على النتائج شيء، والقدرة على توظيف النتائج شيء آخر. فما أريد له أن ينتهي في لبنان بعد الطائف منذ الوصاية السورية المباشرة ثم الوصاية الإيرانية عبر “حزب الله” هو الوظيفة الأساسية للإنتخابات في الأنظمة الديمقراطية: تداول السلطة. وما صار من الثوابت بالقوة هو بقاء السلطة الفعلية في يد طرف واحد مهما تكن النتائج، وتبديل شيء من الديكور في مناصب السلطة الشكلية. وبداية المعركة المصيرية هي العمل على إنهاء هذا الوضع الشاذ والخطير الذي كرّس نوعاً من السلطوية خلف واجهة ديمقراطية منقوصة. وجوهر هذه المعركة ليس الصراع على السلطة من أجل السلطة بل من أجل إستعادة القرار اللبناني المخطوف، وبناء مشروع الدولة والحفاظ على هوية لبنان ودوره وعلاقاته العربية والدولية.
ذلك أن “حزب الله” يسخر من الدعوات الى “لبننة الحزب”. فهو يكرر القول إنه “لولا المقاومة الإسلامية لما بقي لبنان” وما يريده هو لبنان على صورته ومثاله، وليس أن يصبح هو على صورة لبنان ومثاله. والمسألة ليست “لبننة الحزب” بل “أيرنة لبنان” أو أقله، أن تصبح أهداف “محور الممانعة” بوصلة كل التوجهات في الوطن الصغير. وهو يخوض الإنتخابات على الطريقة العسكرية: الحفاظ على مركز السيطرة والتحكم، وإدارة معركة الحلفاء، وتدمير الخصوم، ومنعهم من الحركة حيث يمكن، وتهديد من يتحالف معهم حيث يجب.
أكثر من ذلك، فإن “حزب الله” يتصرف على أساس أن المقاومة الإسلامية “كيان” قائم بذاته، وجزء من “جبهة المقاومة” في العراق وسوريا وغزة ولبنان بقيادة إيران، والتي وصفتها صحيفة “كيهان” المقربة من المرشد الأعلى علي خامنئي بأنها “أهم إنجاز لثورة الخميني”. “كيان” ثابت في لبنان متحول هو مجرد “قاعدة” للمقاومة ودورها الإقليمي. والفارق كبير بين لبنان على صورة المقاومة الإسلامية وبين مقاومة وطنية على صورة لبنان وتعددية شعبه.
والواقع أن إستراتيجية الإمساك الدائم بالسلطة الفعلية لدى “حزب الله” يرافقها تكتيك إنتخابي قوامه مساعدة حلفائه للبقاء في السلطة الشكلية. والمفارقة أنه يلعب حالياً دور حارس النظام الذي يريد في النهاية تغييره جذرياً، لأن “الستاتيكو” مفيد له، وإن كان مؤذياً للناس، في إنتظار أن تدق ساعة التغيير.
وهنا المعركة المصيرية: إما تغيير لبنان كما يريد “حزب الله”، وإما تغيير الستاتيكو الذي يضمن له السلطة الفعلية ولحلفائه المناصب في الرئاسات، تمهيداً لأن تبدأ كتلة شعبية تاريخية إخراج لبنان من الهوة الإقتصادية، وبناء دولة المواطنة العربية السيدة المستقلة.
يقول المؤرخ بول كينيدي عن الثروة والقوة: “القوة تحمي الثروة، والثروة تموّل القوة”. لكن القوة في لبنان تحمي الفاسدين الذين راكموا الثروات بإفلاس البلد وأوقعوه في انهيار إقتصادي. والثروة التي تموّل القوة من إيران.