الناخبون في الإمتحان غداً بعد امتحانات المرشحين وقادتهم خلال الحملة الإنتخابية. وليس بين الدورات الإنتخابية في لبنان واحدة كان مقياس الموقف ملموساً والخيار سهلاً مثل الدورة الحالية. ولا مرة كان الطرف القوي وحليفه المستقوي به في مثل هذا التكالب على السلطة والقلق والخوف من خسارة الأكثرية كما رأينا في المعركة الحالية. لم يكن غريباً أن يمارس كثير من المرشحين الغش في تقديم الإمتحان عبر تكبير نقاط القوة وإخفاء نقاط الضعف، وتحميل الآخرين المسؤولية عن الكارثة التي ضربت لبنان واللبنانيين على أيديهم. ولا كان هؤلاء في حاجة الى تعلم فن الحملات الإنتخابية من ديك موريس الذي قاد حاكماً مغموراً لولاية أركنساو الفقيرة هو بيل كلينتون الى البيت الأبيض عبر تقنية”الإزميل والمطرقة”. خلاصة التقنية هي البحث عن ثغرة لدى الخصم واستخدام الإزميل لتوسيعها، ثم الضرب بالمطرقة لتهديم سمعته كلها. وهم وخصومهم فعلوا أكثر من ذلك. فالمصير في الدق. مصير البلد والحفاظ على هويته. ومصير الهيمنة عليه، ولو في”جهنم”.
ولا شيء يوحي أن اللاعبين يبدلون وسائلهم بعدما صارت اللعبة مكشوفة بالكامل. فالذين كشفت ممارستهم للسلطة خواء شعاراتهم الفخمة وعملهم عكسها لا يزالون يقدمون الوعود نفسها والشعارات نفسها. وصاحب السلطة الفعلية الذي يعترف بأن”ماله وسلاحه وأكله وشربه”من الجمهورية الإسلامية في إيران يصف كل خصومه بأنهم “جماعة سفارات”. وتركيز القصف هو على الطرف القوي بين الخصوم والمعارضين. أما الإتكال، فإنه على العصبيات واللامبالاة. عصبيات الولاء الشخصي والحزبي والمذهبي والإنتخاب بالعصا والمال والفتاوى. ولامبالاة الجمهور الذي وصل به القرف من ممارسات المافيا السياسية والمالية والميليشيوية والعجز عن تغييرها الى قمة اليأس والرغبة في الهجرة والتصويت بالأقدام بدل أوراق الإقتراع.
لكن تزوير الواقع لم يعد ممكناً، وإن بقي تزوير الشعارات رائجاً. فنحن خسرنا الدولة، وصرنا تحت سلطة متسلطة على لبنان، وفي نظام مافيوي على حساب الدستور. والمعادلة التي تحكمت بالحرب الحارة والحرب المستمرة بالسياسة والمال والإقتصاد هي التي عبّر عنها تيودور هانف بالإنتقال من صراع على “مغانم” قابلة للإقتسام الى صراع على “مبادئ” غير قابلة للإقتسام مثل الهوية والسيادة. وحال الناس ولبنان هي المقياس الملموس لاتخاذ الموقف والخيار:”ضد أم مع كل من أذل اللبنانيين وسرق ودائعهم وحرمهم من الدواء والغذاء والكهرباء وعرقل التحقيق في جريمة التفجير الرهيب في مرفأ بيروت؟ المحاسبة أو المحسوبية؟
في المناظرة التلفزيونية بين الرئيس جيمي كارتر ومنافسه رونالد ريغان سأل مدير النقاش المتنافسين عن العبارة المختصرة التي يريد كل منهما قولها للناخبين. كارتر ركّز على خطورة الأسلحة النووية. وريغان قال: “ليراجع كل ناخب حساباته. إذا كان وضعه اليوم أفضل مما كان عليه قبل أربع سنوات، فليصوت للرئيس كارتر، وإذا كان أسوأ فليصوّت لي”. وهو فاز. والعبرة تصح هنا.