Site icon IMLebanon

المشهد الانتخابي: تراجع الأحزاب وتقدُّم «قوى التغيير»

 

 

بات موضوع الانتخابات النيابية هاجس مختلف القوى في الموالاة والمعارضة ومعهما طبعا وقبلهما وبينهما قوى الحراك والمجتمع المدني والشخصيات الدائرة في فلك ما يُصطلح على تسميته اليوم بـ» قوى التغيير».

 

الجميع يعلم أن انتخابات العام المقبل ليست كالاستحقاق السابق في العام 2018، والأسباب عديدة اولها تاريخ 17 تشرين الأول 2019 ليصبح بعده غير ما قبله، ومعه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الكارثية وتحميل شرائح لبنانية كبرى للطبقة السياسية مسؤولية كل ما جرى للبنانيين، سواء من تسلم الحكم في حقبة ما بعد اتفاق الطائف أو قبل هذا التاريخ.

 

عقوبات دولية على المُعرقلين؟

 

ولذلك لم تبد معظم القوى الاساسية في الحكم حماسة لإجراء هذا الاستحقاق كونه سيؤثر عليها سلبا وراهن البعض على تمرير الوقت وتأجيل الانتخابات بعد ان اشارت مختلف استطلاعات الرأي الى تراجع قوى الحكم والمعارضة على حد سواء وارتفاع شعبية القوى والشخصيات من خارج المنظومة وخاصة تلك التي انخرطت جدياً في حراك 17 تشرين.

 

لكن يبدو أنه أُسقط في يد تلك المنظومة مع جدّية مقاربة المجتمع الدولي لهذا الاستحقاق وتلويحه حتى الى عقوبات على من يعرقل الانتخابات، خاصة وان لبنان في حاجة ماسّة الى إبراز حسن نيّته تجاه هذا المجتمع، والتي ستتضرر في حال عدم ولوج هذه العملية التي سيعني تأجيلها فراغاً رئاسيا في الحكم نظرا للنقص الحاصل في عديد المجلس النيابي بعد غياب 11 نائبا عنه سواء لاستقالات أو وفيات.

 

في كل الأحوال، تختلف التقديرات حول ماهية التغيير الذي سينجلي عما سيحدث في 27 آذار أو في أيار المقبلين، في الوقت الذي بدأت فيه الحملات الانتخابية والاستعدادات لدى معظم القوى بينما كانت قد بدأت قبلها لدى مجموعات في الحراك.

 

على ان تلك المؤشرات حول تراجع احزاب الحكم وصعود قوى التغيير تتراوح بين دائرة واخرى، وهي تتخذ شكلها الصارخ في بعض الدوائر ذات الطابع المسيحي مثل بيروت الاولى على سبيل المثال لا الحصر ومعها كسروان جبيل والمتن وغيرها. بينما تتخذ شكلا اقل دلالة، وإن كان موجوداً، في مناطق سنيّة كما في الشمال وعاصمته طرابلس وصيدا وبيروت الثانية، وفي المناطق الدرزية ثم في المناطق الشيعية حيث ستكون نسبة التصويت وليس الخرق هي الاهم كدلالة على حالة الاعتراض الشعبي..

 

اليوم، يلفت كثيرون النظر الى ان المعركة المسيحية هي بيضة القبان ليس فقط في خريطة المجلس الجديد بل في صياغة المشهد الرئاسي، ولا تزال التقديرات تشير الى القوتين الاساسيتين: «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية». مع التسجيل بأن رئيس «القوات» سمير جعجع ورئيس «التيار» جبران باسيل، يدركان صعوبة حظوظهما الشخصية في الوصول إلى قصر بعبدا، ما يرجح فرضية الفراغ الرئاسي وهي ليست غريبة عن السياسة اللبنانية.

 

على أنه بعد الكثير من الحديث عن قدرة «القوات» و»الكتائب» على ولوج مشهد «الثورة» بعد هيمنتهما اعلاميا على المشهد بعد قليل على 17 تشرين وصعودهما شعبيا، لا يبدو هذا المشهد دقيقا وبدت إرهاصاته في الانتخابات الطلابية والنقابية الأخيرة.

 

واذا كان العهد والتيار قد تلقيا ضربة مع مشهد تشرين تختلف التقديرات حولها وتجتمع على أهميتها ورمزيتها، فإن حزب «القوات» الذي قال كثيرون إنه تقدم حتى أكد البعض اعتلاءه صدارة المشهد المسيحي، يبدو أنه تراجع هو الآخر لاعتباره من قبل الناخبين جزءا لا يتجزأ عن منظومة الحكم كما «الكتائب».

 

ويشير قارئون للمشهد المسيحي الى ان هاتين القوتين الاخيرتين ستتنازعان على الناخب المسيحي نفسه وهو غير ناخب «التيار» الذي عليه استعادة ما خسره عند بيئته، بينما هما مرفوضتان من قبل قوى التغيير أو الثورة.

 

ولعل هذا ما يفسر الهجوم الكبير عليهما من قبل قوى الانتفاضة ورفض التحالف معهما، وليس ادل على ذلك اكثر من مشهد بيروت الاولى حيث تم رفضهما من قبل جبهة الانتفاضة، بينما لم يتمكنا من الوحدة نفسيهما، أي «القوات» و»الكتائب» (نديم الجميل).

 

ولذلك أسبابه، فقد أخفقا في إزالة الصورة النمطية عنهما بوصفهما من قوى الحكم، فـ»الكتائب» كما «القوات» يعايره كثيرون كونه يشكل حزبا اقطاعيا وامتدادا لحكم أدى قسطه في مراحل ماضية في أزمات اللبنانيين.

 

وبالنسبة الى «القوات»، فإن تحالفها المستمر مع قوى في الحكم «على القطعة»، مثل رئيس مجلس النواب نبيه بري مثلا، لم يساعد في تبييض صفحة زعيم الحزب سمير جعجع.

 

لكن ما يساعد «القوات» في اجتذاب أصوات العصب المسيحي هو التماهي مع مواقف بكركي التي تغذيها التصريحات المتتالية للبطريرك الماروني بشارة الراعي حول الحياد والسيادة وتصويبه على سلاح «حزب الله»، الحليف الموثوق للعهد و»التيار».

 

ومن جانب رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، فهو يدرك تماما تراجعه ويريد الحد منه قدر الإمكان، ويحاول منذ زمن عدم التماهي مع «حزب الله» في سياسته الداخلية والاقليمية ولعل أدل مثال على ذلك انفصال الجانبين في موضوع اقتراع الناخبين في الخارج الذي يؤيده باسيل ولو في الظاهر حفاظا على صورته في شارعه المسيحي كون الصوت اللبناني في الخارج يغلب عليه نسبيا الطابع المسيحي، بينما يعارضه الحزب وقد يقبل به على مضض.

 

وسيكون على باسيل صياغة تحالفات دقيقة لن يكون الحزب بعيدا عن بعضها وسط نية لدى الجانبين في تجاوز بعض الخلافات التي حدثت في انتخابات العام 2018 وأدت الى تضررهما معا.

 

التجيير الخدماتي للسلطة

 

لكن سيكون في مقدور احزاب الحكم الاستفادة من قدرتها التجييرية المادية التي أفادت منها في مساعدة محتاجيها من الناخبين، نظرا لقوتها المادية والسلطوية ما جعلها تقلص حجم الفجوة الشعبية عما كانت عليه في ذروة مشهد 17 تشرين.

 

وللحديث صلة عن دعم تتلقاه بعض مجموعات وشخصيات «الثورة» التي تستفيد من «الفرش دولار» الخارجي، مع قدرتها الاعلامية في حملتها الانتخابية في مقابل مشهد متواضع ضعيف لقوى السلطة.

 

مهما كان الأمر، فإن من غير الممكن تحقيق التبديل الكبير الذي يريده التغييريون لترسُّخ قوى الحكم في السلطة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وماليا وخدماتيا، إضافة الى ان قانون الانتخاب ما زال يوفر القوة للاحزاب الطائفية التي ستتمكن عبره من تفادي الخسارة التي لحقت بها في الانتخابات الطلابية والنقابية.