Site icon IMLebanon

أبعد من الإنتخابات: إسقاط “فكرة” لبنان

 

موسم الرهان على الإنتخابات النيابية مزدهر على أمل التغيير، بصرف النظر عن الحسابات الواقعية. وليس أكبر من رهان المجتمع الدولي على دور المجتمع المدني والمزاج الشعبي الغاضب على التركيبة السياسية الفاسدة، سوى رهان المجتمع المدني على دور المجتمع الدولي والشارع. والأكبر منهما هو رهان قوى”الممانعة”على الحؤول بكل الوسائل دون حدوث تغيير يقلب الأكثرية النيابية الحالية. لكن السؤال المعلق فوق رؤوس المراهنين جميعاً هو: بأي حال يصل لبنان المأزوم الى الإنتخابات، وبأي حال يخرج منها؟ أليس ما يوازي مشكلة التركيبة الحاكمة والمتحكمة مع الناس هو مشكلة البديل الغائب العاجز عن تكوين كتلة شعبية تاريخية، والمصر على خوض الإنتخابات بالمفرّق والإنقسامات؟ أليست قمة التزييف والتقزيم للبنان وقضاياه ومصيره هي تصوير الصراع بين ما تسمى “جماعة السفارة الأميركية” و”جماعة السفارة الإيرانية” كأنه “أم المعارك” قبل الإنتخابات وفيها؟

 

الواقع أن “صندوق باندورا” الذي يحوي كل الشرور، حسب الأسطورة، مفتوح من زمان في لبنان بما يتجاوز بكثير ما جاء في “أوراق باندورا” المكشوفة مؤخراً. ولا فائدة من تكبير الآمال على الحكومة خشية أن تكبر خيبة الأمل، لأن اللعبة خارجها. ولا معنى للتنافس و”تناتش” الصلاحيات داخل السلطة لأن اللعب على هامش التحديات الوطنية يبقى في باب المضحك المبكي. أما تدوير الزوايا، فإنه مهمة مستحيلة في قضايا السيادة وقرار الحرب والسلم، وسط محاولة الطرف القوي لـ”تدوير زوايا لبنان” بحيث تصبح “كوعاً طويلاً” يسمح بالعبور الى لبنان آخر.

 

ذلك أن الإنتخابات في لبنان كما في العراق محكومة بإعادة إنتاج التركيبة نفسها، ولو مع قليل من تغيير الوجوه ضمن الحسابات المحلية وحسابات اللعبة الأميركية – الإيرانية. فالإنتخابات هي مجرد آلية ديموقراطية، لا كل العملية الديموقراطية. وشرط الديموقراطية والدولة الوطنية هو المواطنة. ولا مواطنة في نظام طائفي وقبلي. والمسألة في لبنان تتجاوز الأزمات السياسية والمالية والإقتصادية والإجتماعية. فهذه، على أهميتها، لها علاجات وحلول. المسألة هي العمل على إسقاط “فكرة” لبنان كمغامرة حرية في هذا الشرق المحكوم بأنظمة سلطوية سواء كانت عسكرية أو دينية، حيث تجمعت كل العوائق لتفشيل الثورات الشعبية والحركات السلمية المطالبة بإقامة دول مدنية ديموقراطية خلال “الربيع العربي”.

 

وأقل ما يسمعه الحالمون بالتغيير والدولة المدنية في لبنان هو أن الوقت فات حتى على الأحلام. فالموازين تبدلت. والتغيير حدث، وإن لم يكتمل بعد، على الطريق الى دولة دينية أو أقله في نقلة من مئة سنة طائفية منذ لبنان الكبير الى مئة سنة مذهبية في لبنان آخر. لبنان “الولاية”.

 

يقول صامويل جونسون: “الأزمة هي النقطة التي يصل المرض فيها الى أن يقتل أو يتغير نحو الأفضل”. ولبنان المأزوم وصل الى هذه النقطة، حيث القدر والخيار.