Site icon IMLebanon

الإنتخابات وجدليّة إجرائها

 

دخلت البلاد عمليّاً في زمن الانتخابات. وبدأ العدّ العكسي برغم احتمالات تأجيلها عن الموعد الذي أقرّ، أو حتّى تطييرها. ولقد أدارت الماكينات الانتخابيّة للمرشّحين المفترضين، حزبيّين كانوا أم لا، محرّكاتها. حتّى الإعلام اللبناني اليوم بات موجّهاً في الاتّجاه عينه. مع العلم أنّ مساحات الآراء المتناقضة تتزايد على وقع اقتراب هذا الموعد يوماً بعد يوم، حيث بدأنا نشهد بزوغ بعض التحالفات عند المستقلّين، أو مَن يدّعون كونهم في المجتمع المدني. فكيف ستكون الخريطة الانتخابيّة في حال تمّت الانتخابات؟ وهل احتمال تطيير العمليّة الانتخابيّة برمّتها وارد لا سيّما بعد الأزمة الديبلوماسيّة التي استجدّت؟

 

ما زالت الأحداث الأمنيّة الأخيرة بين منطقتي الطيونة وعين الرمانة مدار جدال عقيم بين الأطراف السياسيّين. بغضّ النظر عن أنّ الدّولة اللبنانيّة قد أقفلت هذا الملفّ، إلا أنّ هنالك مَن يصرّ حتّى هذه اللحظة على توظيفه في السياسة للإنقضاض على المعتَدَى عليهم. فهذا مسار انحداريّ تسلكه جماعة “دويتّو” المنظومة الفاسدة والمنظّمة المسلّحة. ويخطئ مَن يظنّ أنّ هذا الفريق سيستكين بل العكس تماماً؛ سيتحضّر للخطّة البديلة التي ستمكّنه من تطويع خصمه السياسي، لكن من المؤكّد أنّ السياسة لن تكون ميدانه. ويُخْشى أن تكون العمليّات الأمنيّة، الميدان الأحبّ إلى قلبه، هو المكان الذي سيجرّ إليه خصومه السياسيّين. فحتّى هذه اللحظة، تبيّن أنّ الانقسام الانتخابي في لبنان بات ثلاثيّ الأبعاد:

 

– البعد الأوّل يتمثّل بتحالفات “الدويتّو” التي لم تتبدّل إلا بتقلّص حجم الفريق المسيحي المنضوي في هذه المجموعة، أي فريق “التيار الحرّ”. وذلك بحسب معظم الاحصاءات الصادرة.

 

– البعد الثاني الذي يضمّ حزب “القوّات اللبنانيّة”، المعارض الأشرس لنهج البعد الأوّل، وقد يتحالف معه بعض الشخصيّات التي تعتبر نفسها مستقلّة، لكنّها تدور في فلكه. إضافة إلى الجبهة السياديّة التي ولدت من رحم بيت حزب “الوطنيّين الأحرار”.

 

– البعد الثالث يجمع شخصيّات المجتمع المدني والجمعيّات غير الحكوميّة التي تدور في فلكه، والتي شكّلت بدورها الحيّز الذي انبثقت منه ثورة 17 تشرين. إضافة إلى كلّ الذين تحرّروا من ربقة الخديعة المسيحيّة الكبرى فلجأوا إلى هذا البعد للتعبير عن سخطهم. فضلاً عن الذين قرّروا الحفاظ على استقلاليّتهم المطلقة.

 

أمام هذا الواقع تُطرَحُ مأزوميّة “الدويتّو” لذلك تتزايد يوماً بعد يوم إمكانيّة العمل بدأب وجدٍّ على تطيير الانتخابات برمّتها، لا سيّما بعد الأزمة الديبلوماسيّة التي نتجت عن وزير الإعلام. وفي أفضل الأحوال قد يعمل “الدويتّو” على تأجيلها ريثما يتسنّى له الاطباق على تعليب نتائجها قبل الشروع بها. لذلك، قد يعمد هذا الفريق إلى رفع منسوب الخضّات الأمنيّة، لكن قد يبقى حريصاً على عدم تفلّت الأمور؛ لأنّه بنهاية المطاف وليّ هذه الدولة فليس من مصلحته أن تفلت من سيطرته.

 

أمّا الحكومة اللبنانيّة التي تبدو في موقع الخائب الأكبر فقد أوفدت رئيسها للمشاركة في قمّة المناخ المنعقدة في بريطانيا، تاركاً وراءه ساحة ملتهبة لكأنّ أمر التهدئة لا يعنيه. فبنهاية المطاف لقد حدّد خسائره من رئاسته لهذه الحكومة قبل ولادتها. والأكثر وضع نصب عينيه أمرين اثنين لا ثالث لهما هما: الكهرباء والانتخابات. لكن “الدويتّو” يسعى إلى كهربة الانتخابات وليس إلى إجرائها. وهذا ما يتّضح أكثر فأكثر كلّما اقتربنا من موعد إجرائها، ويجنّد لذلك حليفه المطيع، أي “التيار الحرّ” الذي يبرع في القنص على الحجج الدّستوريّة في الشكليّات. وذلك كي لا يتحمّل هذا “الدويتّو” المسؤوليّة كاملة، بل أكثر من ذلك، في محاولة منه لتأجيج كلّ صراع مسيحي – مسيحي لأنّ الطرف المواجِه الوحيد، أي “القوّات اللبنانيّة”، بات المسيحي الأقوى بحسب الاحصاءات كلّها؛ لذلك الهدف الأساس الذي يعمل عليه هو ضرب الصورة القوّاتيّة لتقليص خسارة حليفه في الانتخابات. وإذا ما لمس حتميّة خسارته، وعدم قدرته على تعويم حليفه البرتقالي فلن يتوانى عن تطيير العمليّة الانتخابيّة برمّتها.

 

وهذا ما يدلّ على أنّ حادثة عين الرمانة كانت مفتعلة، لكنّ السحر انقلب على الساحر فاستشاط غيظاً وغضباً، وجنّد طاقاته كلّها لدفع حليفه إلى واجهة القنص لبضعة مواقف دستوريّة ادّعاءً وبهتاناً في جلسة المجلس الأخيرة. وذلك كلّه خدمة للدويتّو لتقديم أوراق اعتماده مرّة جديدة إنّما لمهمّة جديدة هي تطيير العمليّة الانتخابيّة من البوّابة القانونية والدستوريّة التي إن فشلت، سيلجأون إلى البوّابة اللوجستيّة ليكون الدّواء الأخير بالكيّ الأمني.

 

وقد تتحوّل الأزمة الديبلوماسيّة إن استفحلت أكثر إلى ذريعة جديدة قد يستغلّها هذا “الدويتّو” لضرب الديموقراطيّة أكثر فأكثر، فتكون الشرارة لتطيير الانتخابات المقبلة. وعلى ما يبدو أنّ السعوديّة ومعها دول مجلس التعاون الخليجي ستكون حازمة في موقفها من الحكومة اللبنانيّة ككلّ، لأنّها بنظرهم هي حكومة “حزب الله” في دولته التي لم يعلنها رسميّاً بعد، بانتظار لحظة الارتطام فالإطباق. أمّا البعد الثالث فيبدو أنّه المستفيد الأوّل من صراع البعدين الآخرين، ومن مصلحته اليوم أن يعمل على رصّ صفوفه، وبلورة برنامجه السياسي الذي سيدخل النّادي السياسي على وقعه، لا سيّما بعد نجاحه، ولو جزئيّاً، في دخول الأندية الاجتماعيّة على أنقاض بعض الفرقاء والأحزاب السياسيّة. فالنصيحة هنا باتت بحجم صندوقة الاقتراع!

 

يبدو أنّ هذه العمليّة ستكون محكومة بشعار جديد ماركسيّ الهوى، على قاعدة من، كلّ وفقاً لحساباته وقدراته، الى كلّ وفقاً لحاجاته وأولويّاته. لكن بنهاية المطاف، لن يغلبَ أيُّ باطلٍ الحقَّ مهما اشتدّت ضربات سياط الجلادين الذين أخرجوا أنفسهم من الكيانيّة اللبنانيّة، بفعل انتماءاتهم الأيديولوجيّة خارج حدود الـ 10452 كم². ناهيك عن الذميّين الانبطاحيّين، خونة التّاريخ والوجود. هؤلاء كلّهم سيرحلون مطأطئي الرؤوس وحتماً… سيبقى لبنان.