مرّ على بلاد البترون رجال دولة كبار وصلوا إلى الندوة البرلمانية ورحلوا تاركين بصمات لا يزال الناخب البتروني يفتّش عنها حتى هذه اللحظة، ومن بين هؤلاء النواب تبرز أسماء كل من جان حرب ومانويل يونس وجورج سعادة…
شكّل دخول سعادة إلى الحياة النيابية البترونية نقلة نوعية، ويعترف النائب السابق بطرس حرب بأنه كان ضدّ خيار ترشّح عمه جان في انتخابات 1968 متحالفاً مع الكتلاوي سايد عقل، بل نصحه بالتحالف مع سعادة فرفض، وكانت النتيجة رسوب حرب في تلك الإنتخابات الشهيرة وفوز كل من سعادة وعقل بعدما إختار يونس العزوف عن الترشّح.
قرأ بطرس حرب الخريطة البترونية جيداً وترشّح عام 1972 متحالفاً مع سعادة فوصلا إلى الندوة البرلمانية، وبعدها بدأت مرحلة جديدة في الحياة السياسية في ذاك القضاء.
إستطاع سعادة بفضل ديناميكيته وحراكه وعوامل سياسية مساعِدة أن يُقوّي حزب “الكتائب” في ساحل ووسط البترون، ولم يستطع إختراق حصن الجرد إلا أيام الحرب، لكن المفارقة أن الكتائبيين الذين كانوا يدينون بالولاء لـ”الله والوطن والعائلة” بات لهم رمز في البترون وهو بيت سعادة.
تُعتبر علاقة “الكتائب” في البترون مع بيت جورج سعادة مثل علاقة “كتائب” المتن مع آل الجميّل، فصحيح أن هناك محازبين لكن بالطبع فإن عدم ترشّح كتائبي من هاتين العائلتين سيخفّض نسبة الأصوات.
ويحاول النائب السابق سامر سعادة فرض نفسه كمرشح حزبي أول في البترون، وهو أعلن ترشّحه من دون أن ينتظر قرار المكتب السياسي ولا قرار رئيس الحزب سامي الجميّل، وبذلك وضع حزبه أمام أمر واقع لا يمكن تجاوزه.
ولا يُنكر عدد من الفاعلين في “كتائب” البترون وجود بعض التمايز بين سعادة والجميّل، فهناك إرتباط بين حيثية “الكتائب” البترونية وبين رمزية سعادة، ويعتبر البعض أنه إذا نال مرشح “الكتائب” في انتخابات 2018، أي سامر سعادة، نحو 2600 صوت تفضيلي، فإن هذا الرقم قد ينخفض إلى نحو الألف إذا اختار الحزب مرشّحاً غير سامر سعادة أو أقلّه لم ينل بركة بيت جورج سعادة.
لا يروق لعدد كبير من كتائبيّي البترون الخطّ الذي يسلكه رئيس الحزب النائب المستقيل سامي الجميّل، فهم يعتبرون أنفسهم أنهم “عرين” اليمين المسيحي وحرّاسه وقدّموا مئات لا بل آلاف الشهداء من أجل الحفاظ على الوجود، ولم تقتصر تضحياتهم على بلاد البترون بل شملت كل لبنان، لذلك لا يحبّذون محاولات الجميّل إسترضاء جمهور شي غيفارا أو من “يتنطحون” لتقديم أنفسهم كبديل تحت شعار المجتمع المدني، وأقصى تضحياتهم أنهم ظهروا مرّة على الإعلام أو تظاهروا، وبالتالي يؤكّدون أن من دفع الدم دفاعاً عن بلده هو من يحقّ له إجراء فحص دم بالوطنية، والكتائبي يَفحص ولا يُفحص.
وحتى هذه الساعة، فإنه على رغم إعلان “الكتائب” التحالف مع رئيس حركة “الإستقلال” ميشال معوض وتجمّع “كلنا إرادة” في دائرة الشمال المسيحي، إلا أنه لم تُعرف بعد الخطوات التي سيقدم عليها سامر سعادة.
وفي التفاصيل، فإنه في بداية الحديث عن تحالفات، عُلم أن سعادة كان يرفض إنضمام المرشح مجد حرب إلى لائحة “الكتائب” – معوض تحت عنوان أن مجد سيسبقه في الصوت التفضيلي، من ثمّ ترددت أخبار أن سعادة سينسحب من البترون ويجير أصواته لحرب ليترشح هو على لائحة معوض وبهاء الحريري في طرابلس.
وبعد عدم التأكّد من صحة هذه الأخبار، جرى الحديث ان سامر سعادة يفاوض تيار “المردة” ليترشح معه بلا غطاء “الكتائب”، لكن عملياً فإن لـ”المردة” مرشّح من بلدة سعادة نفسه شبطين هو جوزف نجم، لذلك فإن كل هذه السيناريوات مطروحة.
وأمام كل هذه الوقائع يرى المراقبون للمسار الإنتخابي أن سعادة سارع إلى إعلان ترشيحه في البترون من أجل مفاوضة كل من رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع والجميّل من موقع قوّة، وللقول أن حيثيته البترونية لا يمكن تجاوزها وغير مرتبطة بما يقرّره الجميّل بل إن “كتائب” البترون هي من تختار ممثلها.
وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن أصوات “الكتائب” ستتشتت في البترون، في قضاء يصعب الفصل فيه بين الكتائبي والقواتي، ويعتبر حجم التداخل كبيراً جداً، وبالتالي فإن شدّ الحبال سيستمر بين “كتائب” سعادة و”كتائب” الجميّل في البترون إلى حين موعد الحسم، بينما الصوت الكتائبي في المنطقة بات إتجاهه واضحاً وهو “التصويت للخط السيادي، والذي سقط من أجله الشهداء ليبقى لبنان”، على حدّ تعبير كتائبيّي المنطقة.