IMLebanon

عنوان الانتخابات: إسقاط «الشرعيّة المسيحيّة» عن حزب الله

 

 

لم يكن يوماً البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بارعاً في استخدام تعابير سياسية قوية تجاه حزب الله كما فعل أخيراً بترؤسه مجلس المطارنة الموارنة وما صدر عنه في البيان الأخير. فالعبارات والأوصاف التي أطلقها تستهدف للمرة الأولى الحزب ودوره والتغطية الخارجية له، واستخدام عبارات مثل أن «لبنان الحرية والسيادة والاستقلال وسلامة الأراضي بات على مشارف الزوال، وأن ثمة قوى إقليمية ومحلية تابعة لها وراء ذلك»، ودعوته الشعب «إلى التصدي لها بما أُوتِي من قوّة، ومهما بلغت التضحيات». لكنّ البيان (الذي يتحدث للمرة الأولى عن أموال المودعين في المصارف) ليس موجهاً إلى الحزب فحسب، بقدر ما هو موجه إلى الموقع المسيحي الأول والرئيس الماروني العماد ميشال عون. تقول بكركي لعون بلهجة واضحة ما معناه: «إن الموقع الذي أنت فيه، من خلال الحلف الذي تقوم به، يساهم في وصول لبنان الكبير الذي تحلّ ذكراه، إلى الزوال. وأنت تغطي هذا التصرف». باختصار هذا مضمون رسالة بكركي إلى رئاسة الجمهورية.

 

لكن إذا كانت بكركي تحرّكت بحسب ما يرشح عنها، بعدما تلمّست ما تعتبره خطراً على الكيان والنظام فأعادت صياغة موقفها وإعلانها التمسك باتفاق الطائف، فإن ما يفترض السؤال عنه، هو ماذا بعد؟ وكيف يمكن أن تتصرف القوى السياسية بأبعد من عبارات التضامن والتأييد لمواقف بكركي، وهل يمكنها أن تطلق نقاشاً جدياً حول ما يترتب على موقفها تجاه رئيس الجمهورية ميشال عون وحزب الله معاً؟

تشكل الانتخابات النيابية، منذ أن بدأ الضغط الخارجي على لبنان، إحدى آخر المحاولات الجدية لإنتاج سلطة سياسية جديدة. لكنها تحمل في طياتها كذلك محاولة فصل عون عن حزب الله. لذا كان الضغط الأميركي منذ أشهر طويلة يتمحور حول هذه النقطة، بما يضمن عزل الحزب داخلياً، وتحديداً عن «الشرعية المسيحية» التي تؤمّن الغطاء لحزب الله، وتساهم في تثبيت دوره من خلال التفاهم مع قوة مسيحية في موقع رئاسة الجمهورية. من هنا انطلقت فكرة الدعوة إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة، وهو الأمر الذي لم تتمسّك به فرنسا خارجياً. كذلك لم يتجاوب مع هذا الطرح حلفاء واشنطن في لبنان، كتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، فلم يُكتب له أن يبصر النور. وحدها القوات اللبنانية سارت بهذا الطرح وحده من بين كل الطروحات الأخرى. لكنها تمسّكت به طويلاً، ولم تُقدم على أي تحرك بديل، حين ظهر أن أفق الانتخابات المبكرة مقفل. علماً أن توقفها عند هذه النقطة فحسب، يصبّ في واقع الأمر في إطار داخلي محض، يتلخّص بأنها تعتقد بأنها قادرة على التفوّق عددياً على التيار الوطني الحر داخل المجلس النيابي المقبل. في حين أن الفكرة التي طُرحت هي أشمل وأكثر استهدافاً.

 

الضغط الأميركي يتمحور حول إجراء الانتخابات بما يضمن عزل الحزب داخلياً

 

 

مع الكلام الأميركي عن حكومة جديدة والدخول في مرحلة الاستعداد للانتخابات، يصبح هذا الاستحقاق الخطوة الأهم في السيناريو المطروح: الضغط لإجرائها ومنع إيجاد أي ثغر أو أعذار للتمديد للمجلس النيابي. في هذه الانتخابات، الرهان على أنه يمكن الخروج بنتائج مؤثرة في العملية الانتخابية، تحت عنوان تقليل حصة التيار الوطني الحر، ما يعني عملياً سحب الغطاء الشرعي الذي تؤمّنه الكتلة المسيحية الأكبر لحزب الله. وهذا الكلام الأميركي قديم ومستجدّ، يتعلق بإمكان خلق كتل نيابية بين المسيحيين (والمسلمين)، تحقق فوزاً أكثرياً يسمح بإجراء هذا الفصل «ديمقراطياً».

من هنا بدأت الأسئلة حول احتمال مسألة عدم إجراء الانتخابات، وإمكان أن يذهب إليها حزب الله والتيار الوطني في حال تلمّس أحدهما إمكان أن يخسر التيار (حصة الحزب مضمونة) عدداً من المقاعد تجعله خاسراً للتمثيل المسيحي الشعبي الواسع. وهذا يضع الانتخابات على المحك، لأن لا معنى حينها لخوضها. وأيّ احتمال ولو كان ضئيلاً لمثل هذه النتائج، يدفع إلى توقّع ألا يذهب أي منهما إلى المغامرة بما يملكانه من رصيد نيابي حالي مضمون. وإذا كان المطلوب «قطع رأس هذا التحالف» المحلي والاستراتيجي، فإن العبرة تكمن في أداء القوى السياسية المحلية التي تتماهى مع هذا الطرح. فإذا كان أداؤها السابق أوصل الواقع الداخلي إلى هذا الدرك من الانهيار السياسي، فإن من المستحيل التعويل على خريطة عمل جديدة، توقِف المنحى المحتمل نحو تأجيل الانتخابات. فأداؤها حتى الآن في التفاصيل اليومية، التي هي أبسط من عنوان إسقاط تفاهم حزب الله وعون، لم يسفر إلا عن مزيد من التخبّط وانفراط عقد التحالفات السياسية. فكيف يمكن أن تخوض هذه القوى الانتخابات أو مواجهة إرجائها من دون الحد الأدنى من العمل السياسي الممنهج والقدرة على ابتكار أفكار أو طرح مشاريع إنقاذية، بدل الالتهاء بالمحاصصات وبألاعيب ومناكفات صبيانية؟