إقتراح بـ«لامركزية» مناطقية للتحالفات في الإنتخابات
يعلو السجال في صفوف القوى المعارضة للسلطة بين «مدنيِّيها» و»سياسييها» ويستعرّ مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، حول طبيعة التحالف الذي يجب أن يقوم لدى الشرائح المواجهة للسلطة الحاكمة.
يحمل هذا الاختلاف في وجهات النظر والذي صار خلافا جديا في صفوف المعارضين، تباينا حول فكرة السلطة نفسها. فبالنسبة الى الشرائح المنتفضة ضد السلطة والتي يغلب عليها الطابع المدني والمطلبي، فالمسألة ليست مواجهة مع سلطة سياسية قائمة. بل إنها معركة في وجه منظومة الحكم. ولكي لا يشتبه الأمر عند المُتلقين، وفي سبيل تمايز هؤلاء عن المعارضين التقليديين المستجدين على الساحة مثل حزب «الكتائب» وشخصيات سياسية يتهمها كثيرون بركوب موجة الحراك الشعبي الذي تفجر في 17 تشرين الاول قبل نيف وعامين، فإن المصطلح الأمثل لتوجيه غضب الناس نحوه هو باستعمال عنوان «الحُكم».
فالحُكم هو سلطة سياسية جامعة لكل من مارسه من موالين ومعارضين، سياسيين واقتصاديين وماليين واعلاميين ومن مختلف قطاعات المجتمع. يستوي «الكتائب» بذاك التوصيف، بالنسبة الى المدنيين، مع قوى تقف على الجبهة الأخرى في الحراك.
إنتخابات النقابات: جرس إنذار
هذا التيار له وجوهه البارزة ولعل واصف الحركة هو رأس حربتها وهو المتهم من قبل أخصامه من المعسكر المقابل باحتفاظه بأحقاد شخصية ضد اليمين اللبناني الذي يتهمه بخلفية قومية عربية يسارية، بعثية عراقية على وجه التحديد. وبذلك يصبح خطابه فارغا في نظر هؤلاء، فلا معنى لنضال ضد السلطة اذا اتى من خلفية كهذه حتى لو واجه السلطتين اللبنانية والسورية قبلاً..
ويشير هؤلاء الى ان الحركة يقوم بتقسيم الحراكيين في معاركهم النقابية، وهو ما أدى الى خسارة موقعة نقابة المحامين على سبيل المثال. بينما يتهم من مثل الحركة في المجموعات المدنية «الكتائب» بخوض معركة سلطوية لا أكثر وعقد تحالفات مع الجميع حتى مع الاخصام ابتغاء لمصلحة حزبية ضيقة، وبهذا يقدمون دليلا جديدا على عدم تبرؤ زعيم الحزب سامي الجميل من ماضي الحزب ومرحلة أبيه الرئيس أمين الجميل..
والواقع ان معركة «الكتائب» قد تلقت صفعة نتيجة التحالفات التي عقدها الحزب أخيرا، حسب حراكيين، علما ان كثيرين رفضوا الكتائبيين لدى نزولهم الى الشارع في الايام الاولى للانتفاضة وذلك في عقر دار مناطق الحزب الذي شكل جزءا لا يتجزأ من السلطة حتى سنوات قليلة مضت، وهذا شأن شخصيات معارضة للسلطة مثل ميشال معوض ونعمت فرام وأشرف ريفي، ناهيك طبعا عن «القوات اللبنانية» المرفوضة من المعسكرين المتنافسين في معارضة السلطة.
وبذلك تتضح رؤية معسكر السياسيين الحزبيين المعارضين للسلطة الذين يدعون الى حلف مع الآخرين في سبيل اكبر خرق ممكن في المجلس النيابي. بينما يرى منافسوهم انهم سيخوضون معركة شعبية في الانتخابات وقبلها لإيصال قوى انغمست في السلطة كما في فسادها منذ عقود وهم غير مستعدين لخوض معركة الأحزاب وقوى السلطة في سبيل تنافس سلطوي عقيم ومصلحي.
مع هذا الخلاف يتضح أن «القصة مش رمانة.. القصة قلوب مليانة» وتحمل جذوراً أبعد من الحلف المرحلي ما يدق جرس إنذار للجميع، وقد توجِّه ضربة الى جهود كل المعارضين في المناطق حيث يمكن للحراك ان يتحد في وجه لوائح السلطة.
معايير المعركة ليست مُوحَّدَة في الدوائر
وبينما استقرت بعض الدوائر على ترسيخ هذا الخلاف مثل بيروت الاولى حيث سيتواجه «الكتائب» مع الرمز الاهم للمجموعات المدنية، بولا يعقوبيان، فإن دوائر أخرى قد تشهد حلفا بين هذين التيارين عبر مقترح تسوويّ يطرحه بعض الحراكيين لإنقاذ ما يمكن انقاذه.
مؤدى هذا الطرح ان يخوض الجميع المعركة في اطار «لامركزية» مناطقية تحالفية حيث أمكن.
ففي المتن حيث يستطيع «الكتائب» الحصول على حاصلين، قد يفيد الجانبان من الحلف، الحزب للظفر بمقعد ثالث، والحراك المدني بحاصل وحيد، عبر لائحتين تخوضان المنافسة في العلن، وتنسقان بين بعضهما البعض حقيقة. وشرط ذلك ان يقدم المدنيون شخصيات تنال ثقة الناخبين في تلك الدائرة كما غيرها..
لكن الحال ليس نفسه في دوائر يستعر فيها هذا الخلاف مثل دائرة بعبدا التي ينوي الحركة الترشح فيها وحيث لا يريد خوض معركة «الكتائب» الذي قد يحل فائزا بينما قد يخسر الحركة ومن معه..
والأمر نفسه في بيروت الثانية حيث لا وجود ذا قيمة لـ«الكتائب» لكن حيث ايضا يفتقد المدنيون لشخصيات ذات ثقل، وقد تأخر اطلاق المعركة ولم تهدأ الترشيحات على لائحة يخوضها الحراك في الدائرة.
والواقع ان المعركة بين التيارين قد تؤذي قضية الجانبين في بعض الدوائر مثل الشمال الثالثة (زغرتا، بشري، الكورة والبترون). فهناك عرين القواتيين ورئيسَي «تيار المردة» سليمان فرنجية و»التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وهي للتندر «دائرة الرؤساء» التي تضم ايضا قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وثلاثتهم اسماء وازنة في السباق الرئاسي المقبل. وبينما يحتاج المعارضون الى كل صوت، يدور خلاف كبير بين المدنيين وبينهم مجموعة «شمالنا»، والقوى المعارضة المستجدة، من دون استقرار الحراكيين الآخرين على مرشحين رسميين لهم..
الحال يبدو مغايرا في الشمال الثانية (طرابلس، المنية والضنية) حيث المساعي للائحة موحدة بين الحراكيين والقوى التقليدية مثل «الكتائب» وميشال معوض، بينما قد تُعلن لائحة أخرى بين القواتيين واللواء أشرف ريفي..
على ان الخلاف يبرز ايضا في السياسة بين التقليديين ومن يدعمونهم، والحراكيين، كما في منطقة الجنوب ذات الخصوصية والتي لا تقدر على تحمل الخطاب عالي النبرة تجاه «حزب الله» والذي لا تقتنع به أصلاً.
لكن الحراك المطلبي ومعه اليسار ورأس حربته «الحزب الشيوعي» والنائب أسامة سعد، يغلبون على المشهد، بينما تستقر وجهة النظر المُصعِدة ضد «حزب الله» خاصة، على عشرات الناشطين الذين يتهمهم الحراكيون بالخضوع لأجندات من خارج البيئة، وهم يقصدون بذلك بطبيعة الحال القواتيين والكتائبيين خاصة.
والواقع سيكون مشابهاً في مناطق مختلفة كما في دائرة البقاع الثالثة، بعلبك الهرمل، حيث ينتهز الحراكيون فرصة تراجع احزاب السلطة لكن يشيبهم عدم الاتفاق حتى اللحظة على مرشحين موحَدين في دائرة يريدون الظفر بمقعد فيها غير الذي يستطيع القواتيون تحصيله.
في المجمل إن الامور مفتوحة على مفاوضات طويلة، لكن اقتراح الحل التسوية آنف الذكر بين «التغييريين» و»المعارضين» قد يشكل مخرجاً لجميع الأفرقاء الذين تُفرقهم السياسة والعقيدة ومقاربة الصيغة اللبنانية من أصلها أكثر من تحالفاتهم المرحلية في سبيل انتخابات ظرفية.