في وقت تنشغل القوى السياسية بعدّ الأصوات والحواصل، تفكّر بكركي بمستقبل هذا الوطن والطريقة الأفضل لإنقاذ الجمهورية.
تبدو معركة 2022 النيابية مغايرة تماماً عن سابقاتها، ففي الدورات الإنتخابية الماضية كان التنافس على الزعامة والحجم، أما اليوم فالمنافسة من طبيعة أخرى، فالبلاد وصلت إلى الأمتار الأخيرة من مسلسل الإنهيار، إما أن تتراجع أو تسقط في الهاوية الكبرى.
تؤكّد بكركي أنها لا تتدخل في الأسماء ولا تدعم مرشحاً على حساب آخر، ودورها لا يقتصر على توجيه الرأي العام المسيحي فقط، بل بات البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يتخطى برمزيته المناطق والحواجز الطائفية، وهو يطرح شعاره الإنقاذي والمتمثل بالحياد.
وحظي الحياد بتأييد السواد الأعظم من المسلمين قبل المسيحيين، فالمعركة اليوم ليست بين هذه القوة السياسية أو تلك بل إنها معركة وجود وطن بأكمله.
ومن هذا المنطلق، فإن “راعي الحياد” لا يجد أي مكان للحياد في معركة إستعادة الجمهورية، وهو يراهن على الإنتخابات النيابية، ليس لفوز نواب معينين من هذا الحزب أو التيار وسقوط آخرين، بل لإنتصار الخط اللبناني الذي يؤيد مشروع الحياد الناشط ويرفض هيمنة “الدويلة” وتشريع السلاح غير الشرعي على كل مشاريع الدويلات التي دمّرت الكيان اللبناني.
في السابق، كان المتعارف عليه أن كسروان من أكثر المتأثرين بتوجهات “الجيش الأسود”، أما اليوم فإن الصوت ينادي في كل الأقضية المسيحية والمسلمة، ويطالب بأن يتحمّل الشعب مسؤوليته ويقترع لمن يحمل المشروع الإنقاذي.
وليس خافياً على أحد أن البطريرك الراعي غاضب على السلطة الحاكمة التي أوصلت البلاد إلى الفقر والجوع والعوز والحرمان ودمّرت العاصمة بيروت وهجّرت الشعب، وهو يكرر ويدعو إلى محاسبة هؤلاء السياسيين.
ومن جهة ثانية، فإن الراعي يرفض بالمطلق تأجيل الإنتخابات النيابية، ويعتبره جريمة بحق الوطن والمواطن، فاللبناني ينتظر بفارغ الصبر لحظة الإقتراع لمحاسبة من أوصله إلى الحضيض، والتمديد للمجلس النيابي هو تمديد للفوضى والفساد ولسلطة أمعنت بضرب شعبها، بحسب بكركي.
وأمام هذه الوقائع تعتبر بكركي أن التغيير في يد كل مواطن، وهي تدعو كل لبناني سواء في الداخل أو الإغتراب إلى ممارسة حقه الدستوري بالإنتخاب، فالمقاطعة لا تجدي نفعاً، كما أن التجديد للطبقة السياسية الحاكمة يعني التجديد للأزمات وإطالة عمرها والقضاء على ما تبقى من كيان.
عشية إنتخابات 2009، أطلق البطريرك الراحل الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير نداءه الشهير معتبراً أن فوز 8 آذار بالإنتخابات يعني سقوط الدولة. وبالفعل، عادت هذه القوى وفازت بالقوة وتحت ترهيب السلاح وأخذت السلطة وحكمت ووصل الوضع اللبناني إلى ما وصل إليه من “جهنم” حقيقي على رغم أن قوى 14 آذار ربحت إنتخابات 2009.
وتُلقى اليوم على عاتق بكركي مسؤولية أكبر، فعودة المحور الممسك بالحكم إلى السيطرة على الأغلبية النيابية ومن ثم رئاسة الجمهورية، تعني إستمرار السياسة ذاتها في الداخل وتشريع الفساد والسلاح وعزل لبنان عربياً ودولياً. من هنا، فإن بطريرك الموارنة أمام مسؤولية تاريخية لا تقل شأناً عن الدور الذي لعبه البطريرك صفير، فهل نحن أمام موقف شبيه بانتخابات 2009 يكسر الجمود ويوجّه بوصلة الرأي العام حيث هو مشروع الإنقاذ؟